للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدنيا يسرا في الدنيا ويسرا في الآخرة.

فإن قلت: لفظة "مع" تقتضي المعية، فما معنى قوله {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} وكيف يجتمع العسر واليسر؟ قلت: أراد أن الله تعالى يوسع عليهم بعد مدة قريبة، فبالغ في تقريبها حتى جعلها معية. فإن قلت: ما معنى قول ابن عباس وابن مسعود: "لن يغلب عسر يسرين". وروي مرفوعا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لن يغلب عسر يسرين" (١):قلت: هذا عمل على الظاهر، وبناء على قوة الرجاء، وأن وعود الله لا تحمل إلا على أقصى ما يحتمله اللفظ. والقول فيه: أن يحتمل أن تكون الثانية تكريرا للأول ك‍ {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (٢) مكررا وأن يكون الأول عدة بأن العسر مردوف بيسر لا محالة. والثانية عدة مستأنفة بأن العسر متبوع بيسر، فهما يسران على تقدير الاستئناف، وإنما كان اليسر متكررا، ولم يكن العسر مكررا؛ لأن الألف واللام التي في العسر إما أن تكون للعهد، فيكون العسر واحدا، والعسر لخلوه عن اللام مكررا. وإما أن يكون للجنس الذي يعلمه كل أحد، فهو هو أيضا.

وأما اليسر فمتكرر متناول لبعض الجنس، فإذا كان الكلام الثاني مستأنفا غير مكرر، فقد تناول بعضا غير البعض الأول بلا إشكال. فإن قلت: ما المراد باليسرين؟ قلت: يجوز أن يراد ما فتح الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولأصحابه من بعده، وما يدّخر لهم في الآخرة. ويجوز أن يكون ما ذكر لهم في الآخرة هو يسر الآخرة، وما فتح عليهم في الدنيا هو يسر الدنيا، فيكونان يسرين، وأن يكون أحد اليسرين في الدنيا، والآخر في الآخرة، ومعنى التنكير في {يُسْراً} التفخيم، كأنه قيل: إن مع العسر في الدنيا يسرا عظيما في الدنيا، ويسرا عظيما في الآخرة.

{فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨)}

{فَإِذا فَرَغْتَ} من عبادة ربك {فَانْصَبْ} في الدعاء. وقيل: فاجتهد في العبادة. ومن بدع


(١) نسبه الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف (٤/ ٢٣٥) لعبد الرزاق، وزاد نسبته السيوطي في الدر المنثور (٦/ ٢١٧) لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان، عن ابن مسعود، ورواه الإمام مالك في الموطأ رقم (٨٥٤) موقوفا على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورواه الحاكم في المستدرك (٢/ ٥٧٥) عن عمر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة رقم (٤٣٤٢).
(٢) سورة المرسلات، الآية (١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>