للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١) لكِنِ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (١٦٢) إِنّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣)}

{وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ} يجوز أن يكون متعديا و (كثيرا) مفعول به، أي: وبمنعهم كثيرا عن الإيمان، وأن يكون صد لازما، ويكون كثيرا نعتا لمصدر محذوف، والتقدير:

وبصدهم صدودا كثيرا حرمت عليهم محرمات كثيرة؛ لظلمهم وكذبهم، وقد بين ذلك في قوله: {ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنّا لَصادِقُونَ} (١٤٦) [الأنعام] أي: وهم الكاذبون في دعواهم:

أن هذا التحريم كان شرعا مستأنفا، ولم يكن عقوبة.

وقوله: {بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} إن كانت شريعة من قبلنا شرعا لنا، فيجب الإيمان بكل جزء منها، إلا ما نسخ؛ كالسبت وأكل لحوم الإبل، وإن قلنا: إنه ليس شرعا لنا، فيجب الإيمان بأنها نزلت من عند الله، ولا يجب الإيمان بما فيها من الشرائع.

وقوله: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ} من باب عطف الصفات بالواو، وانقطاع بعضها بالنصب بإضمار أعني أو بالرفع بإضمار هو؛ كقول الشاعر [من الكامل]:

لا يبعدن قومي الذين هم ... سمّ العداة وآفة الجزر

النازلين بكلّ معترك ... والطيبون معاقد الأزر (١)

فعطف بالواو واقتطع. قوله: {كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} التشبيه وقع في أصل


= عيسى وحذف من بعد إلا لدلالة الكلام عليه فاستغني بدلالته عن إظهاره كسائر ما قد تقدم من أمثاله التي قد أتينا على البيان عنها.
(١) البيتان للخرنق بنت بدر بن هفّان، ينظران في: الأشباه والنظائر للسيوطي (٦/ ٢٣١)، الإنصاف لابن الأنباري (٢/ ٤٦٨)، أوضح المسالك لابن هشام (٣/ ٣١٤)، خزانة الأدب للبغدادي (٥/ ٤١، ٤٢)، الدر المصون للسمين الحلبي (٢/ ٤٦٢)، ديوان الخرنق (ص: ٤٣)، الكتاب لسيبويه (١/ ٢٠٢)، لسان العرب (نضر)، همع الهوامع للسيوطي (٣/ ١٢٥) والآفة: العلة والمرض. والجزر: جمع جزور وهي الناقة. والمعترك: موضع الزحام في القتال. والمعاقد: موضع عقد الإزار وثنيه. والأزر: جمع إزار، وهو ما يستر نصف البدن من أسفل.

<<  <  ج: ص:  >  >>