للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أوحي إليه {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ} في تقليد آبائهم. وقيل: في قولهم: ما لكم تأكلون ما قتلتموه وذبحتموه، ولا تأكلون ما قتله الله من الميتة وهذا الذي أوحته الشياطين إلى أوليائهم ليجادلوا به المؤمنين. وقوله: {هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ} مشكل؛ لأن أفعل التفضيل إذا أضيفت كانت جزءا مما بعدها. وإن نصبت بالتمييز لم تكن جزءا، تقول: هذه النخلة أطيب رطبا، ولا يجوز: أطيب رطب، فإنه يلزم أن تكون النخلة رطبا، فقوله: {رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى} (١) لا إشكال فيه؛ لأن الله جاء بالهدى، ولا يجوز أن يكون أعلم من يضل.

فقيل في تأويله: إنه جاء في لغة إجمال اسم الفاعل في المفعول بإضمار من جنسه قال الشاعر [من الطويل]:

... وأضرب منّا بالسيوف القوانسا (٢)

{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧) فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨) وَما لَكُمْ أَلاّ تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (١١٩) وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠) وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١) أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢)}

أي: يضرب القوانس كذلك هاهنا: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ} يعلم من يضل (٣).


(١) سورة القصص، الآية (٣٧).
(٢) هذا عجز بيت لعباس بن مرداس وصدره:
أكر وأحمى للحقيقة منهم ... ينظر في: الأشباه والنظائر للسيوطي (١/ ٣٤٤)، الأصمعيات (ص: ٢٠٥)، خزانة الأدب للبغدادي (٣٢١، ٨/ ٣١٩)، التصريح للشيخ الأزهري (١/ ٣٣٩)، ديوان عباس بن مرداس (ص: ٦٩)، شرح الأشموني للألفية (١/ ٢٩١)، الكشاف للزمخشري (٢/ ٧٠٦)، المغني لابن هشام (٢/ ٦١٨).
(٣) وهذا قول بعض الكوفيين، والزجاج، ونسبه السمين الحلبي في الدر المصون للكسائي والمبرد ومكي. قال السمين: والراجح نصبها بمضمر، وهو قول الفارسي، وقواعد البصريين موافقة له.
ينظر: الدر المصون (٣/ ١٦٧)، معاني القرآن للزجاج (٢/ ٢٨٦)، معاني القرآن للفراء (١/ ٣٥٢)، مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب (١/ ٢٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>