للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الزمخشري (١): {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} الحق: صفة للوزن؛ أي: الوزن الحق يومئذ.

{فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ} أي: ثقلت موزونات حسناته {وَمَنْ خَفَّتْ} موزوناته، والكافر يوزن له ولا مقابل للموزون من الحسنات؛ ليظهر نقص حاله وخسران عاقبته.

واختلف في الموزون ما هو؟ فقيل: الأعمال، يجعل الله للحسنات صورة منيرة بثقل يرضاها المكلف، ويجعل للسيئات صورة مظلمة بثقل يرضاها المكلف. وقيل: الموزون الصحف، تجعل صحف الحسنات في كفة، وصحف السيئات في كفة، ويدل عليه ما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «يؤتى برجل يوم القيامة فيخرج له تسعة وتسعون سجلا، كل سجل مد البصر، مملوء من السيئات، فيوقن بالهلاك، فيقول الله تعالى: إنك لا تظلم، ويؤتى بصحيفة فيها: لا إله إلا الله. فتوضع في كفة الحسنات، فترجح على التسعة والتسعين سجلا» (٢).

{وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ (١١) قالَ ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصّاغِرِينَ (١٣) قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥) قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦)}

{وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ} أي: خلقنا أباكم آدم ثم صورناه {ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} تعظيما له، وذلك مما تختلف فيه الشرائع، وقد رفع يوسف {أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً}.

(لا) في قوله {أَلاّ تَسْجُدَ} زائدة. قوله تعالى: {إِذْ أَمَرْتُكَ} احتج به من اعتقد أن الأمر للوجوب، واحتج به من زعم أنه على الفور؛ لقوله {إِذْ أَمَرْتُكَ} وقوله: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} تعليل للجواب وليس هو الجواب؛ بل التقدير: منعني معرفتي بأنه لا يذل الشريف لمن هو دونه، وأنا خير من آدم، فلذلك امتنعت. وزعم أن النار تحكم على الطين وتحرقه، ونسي


(١) ينظر: الكشاف للزمخشري (٢/ ٨٨) وعبارته: «ورفعه» أي: الوزن على الابتداء، وخبره «يومئذ»، و «الحق» صفته، أي: والوزن يوم يسأل الله الأمم ورسلهم الوزن الحق، أي: العدل».
(٢) رواه أحمد (٢٢١، ٢/ ٢١٣)، والترمذي رقم (٢٦٣٩)، وابن ماجه رقم (٤٣٠٠)، وابن حبان في صحيحه رقم (٢٢٥)، والحاكم في المستدرك (٥٢٩، ١/ ٦)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وصححه الشيخ الألباني - رحمه الله - في السلسلة الصحيحة رقم (١٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>