للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ} أي: على التبليغ وعلل امتناعه من طرد فقراء المؤمنين بأنهم {مُلاقُوا رَبِّهِمْ} ولكنهم قوم يجهلون فيجعلون الرفعة والمنزلة لأصحاب الحال. نصره بمعنى منعه، وأكثر ما يأتي معدى ب‍ "من"، ونصره بمعنى قواه، وأكثر ما يعدى ب‍ "على".

وقالت الكفار لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك. وقال هاهنا: {وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ} {وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ}.

وطلبوا منه طرد المؤمنين ازدراء بهم. قال: {وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي} إن فعلت شيئا من ذلك {إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ}.

{قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ} الفاء هاهنا عارية عن الترتيب والتعقيب؛ كقوله:

{فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ} (١) {إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ} أي: لا يأتيكم بالتعذيب إلا الله، والأمر فيه معلق بمشيئة الله. وقد دخل الشرط على الشرط في قوله: {نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} ومثله: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها} (٢) وإذا قال الرجل لزوجته: أنت طالق إن ركبت إن لبست، فركبت ثم لبست لم تطلق، وإن عكست طلقت هذا هو الصحيح. وعند إمام الحرمين الطلاق معلق على كلا الأمرين سواء إن فعلت على ترتيب ما ذكر أو عكست (٣) {فَعَلَيَّ} لا على غيري جزاء {إِجْرامِي}. ابتأس: افتعل من البأس. {الْفُلْكَ} يجوز أن يراد المركب الذي أمر بصنعته، ويجوز أن يراد الجنس. {بِأَعْيُنِنا} أي: بمرأى منا وموافقا لما أوحينا إليك، فإنه أوحى إليه أن يصنعها على مثل جؤجؤ، أي: مثل صدر الطائر (٤) {وَلا تُخاطِبْنِي} نجاة {الَّذِينَ ظَلَمُوا} وعلل ذلك بكونه حكم {إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}. وكان الملأ من كفار قومه إذا مروا به وهو يصنعها في فلاة من الأرض تضاحكوا من ذلك، فيقول لهم: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنّا فَإِنّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ} لكن العاقبة الحسنى لنا. {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ} يهينه.


(١) سورة الأعراف، الآية (١٣٦).
(٢) سورة الأحزاب، الآية (٥٠).
(٣) تقدم ذلك في تفسير سورة الأعراف، الآية (١٠٦).
(٤) رواه الطبري في تفسيره (١٢/ ٣٤)، ونسبه السيوطي في الدر المنثور (٤/ ٤١٨) لابن أبي حاتم عن ابن عباس - رضي الله عنهما. والجؤجؤ: عظام صدر الطائر.
ينظر: لسان العرب (جأجأ).

<<  <  ج: ص:  >  >>