للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

توبة؛ لقوله: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} (١) ومن كان مصرا على الكبيرة فهو ظالم لنفسه، وقد ذكر في هذه الآية أنه يغفر لهم مع أنهم ظالمون، وقد أجرى الله عادته بأن يقرن في كتابه الوعد بالوعيد، وذكر الجنة بذكر النار؛ ليكون العبد على خوف ورجاء.

{لَوْلا} بمعنى هلا {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ} قيل: هي جملة مستأنفة؛ كقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً} (٢) وقيل: {هادٍ} خبر ثان لقوله: {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ} أي: وهاد لكل قوم. قيل: {وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ} ما تلقيه سقطا. وقيل: الغيض والزيادة راجعان إلى كثرة دم الحيض وقلته. والكبير المتعالى متقاربان في المعنى؛ لأن الكبر والعلو اللذين توصف بهما الأجسام مستحيلان على الله - عز وجل (٣) {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ} تقديره:

ومن هو سارب بالنهار. ويجوز إضمار الموصول؛ كما قال حسان بن ثابت [من الوافر]:

فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء (٤)

لأن المستخفي بالليل لا يكون ساربا بالنهار، والسارب مأخوذ من السرب وهو الطريق. (٩١ /أ)، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلم: "من أصبح معافى في بدنه، آمنا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" (٥).


(١) سورة النساء، الآية (٤٨).
(٢) سورة النحل، الآية (٣٦).
(٣) تقدم الكلام غير مرة أن عقيدة السلف الصالح من أهل السنة والجماعة هي إمرار آيات الصفات الواردة في القرآن الكريم، وكذلك ما صح من أحاديث النبي صلّى الله عليه وسلم على ظاهرها من غير تمثيل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تكييف، ونؤمن بها على ظاهرها في إطار قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
(٤) ينظر البيت في: تذكرة النحاة (ص: ٧٠)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٤٤٥)، الدرر اللوامع (١/ ٢٩٦)، ديوان حسان (ص: ٧٦)، المغني لابن هشام (٢/ ٣٥٥)، همع الهوامع للسيوطي (١/ ٨٨).
(٥) رواه الترمذي رقم (٢٣٤٦)، وابن ماجه رقم (٤١٤١)، وابن حبان رقم (٦٧١)، من حديث أبي الدرداء.

<<  <  ج: ص:  >  >>