للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان كبار العلماء من السلف كسعيد بن المسيب، وعامر الشعبي، وغيرهما، يعظمون تفسير القرآن ويتوقفون عنه تورعا واحتياطا لأنفسهم، مع إدراكهم وتقدمهم، وكان جلة من السلف كثير عددهم يفسرونه، وهم أبقوا على المسلمين في ذلك - رضي الله عنهم.

فأما صدر المفسرين والمؤيد فيهم فعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويتلوه عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - وهو تجرد للأمر وكمله وتتبعه، وتبعه العلماء عليه؛ كمجاهد، وسعيد ابن جبير، وغيرهما، والمحفوظ عنه في ذلك أكثر من المحفوظ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وقال ابن عباس: ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب (١). وكان علي ابن أبي طالب يثني على تفسير ابن عباس ويحث على الأخذ عنه.

وكان عبد الله بن مسعود يقول: «نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس» (٢).

وهو الذي يقول فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «اللهم فقهه في الدين» (٣) وحسبك بهذه الدعوة.

وقال عنه علي بن أبي طالب: «ابن عباس كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق» (٤)، ويتلوه عبد الله بن مسعود، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهم أجمعين.

ومن المبرزين في التابعين الحسن بن أبي الحسن البصري، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعلقمة، ويتلوهم عكرمة، والضحاك بن مزاحم، وإن كان لم يلق ابن عباس، وإنما أخذ عن ابن جبير. وأما السّدي - رحمه الله - فكان عامر الشعبي يطعن عليه وعلى أبي صالح؛ لأنه كان يراهما مقصرين في النظر، ثم حمل تفسير كتاب الله - تعالى - عدول كلّ خلف، وألّف الناس فيه؛ كعبد الرزاق، والمفضل، وعلي بن أبي طلحة، والبخاري، وغيرهم.

ثم جاء محمد بن جرير الطبري - رحمه الله - فجمع على الناس أشتات التفسير، وقرب البعيد وشفى في الإسناد. ومن المبرزين في المتأخرين: أبو إسحاق الزجاج، وأبو علي الفارسي فإن كلامهما منخول، وأما أبو بكر النقاش، وأبو جعفر النحاس، فكثيرا ما استدرك الناس عليهما. وعلى سننهما مكي بن أبي طالب - رحمه الله تعالى - وأبو العباس المهدوي - رحمه الله - وكلهم مجتهد مأجور، رحمهم الله ونضر وجوههم، وألحقنا بهم في الصالحين.


(١) ذكره القرطبي في مقدمة تفسيره (١/ ٦٦).
(٢) ذكره القرطبي في مقدمة تفسيره (١/ ٦٦).
(٣) رواه البخاري في صحيحه رقم (١٤٣)، ومسلم رقم (٢٤٧٧).
(٤) ذكره القرطبي في مقدمة تفسيره (١/ ٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>