(٢) وهذا خلاف ما ذهبت إليه المعتزلة حيث منعوا جواز ذلك. قال العلامة ابن القيم في مفتاح دار السعادة (٢/ ٤٠) ط. دار الكتب العلمية، بيروت: «ومنعوا - أي: المعتزلة - النسخ قبل وقت الفعل ونازعهم جمهور هذه الأمة في هذا الأصل، وجوزوا وقوع النسخ قبل حضور وقت الفعل، ثم انقسموا قسمين: فنفاة التحسين والتقبيح بنوه على أصلهم، ومثبتو التحسين والتقبيح أجابوا عن ذلك بأن المصلحة كما تنشأ من الفعل فإنها أيضا قد تنشأ من العزم عليه وتوطين النفس على الامتثال، وتكون المصلحة المطلوبة هي العزم وتوطين النفس لإيقاع الفعل في الخارج، فإذا أمر المكلف بأمر فعزم عليه وتهيأ له ووطن نفسه على امتثاله فحصلت المصلحة المرادة منه لم يمتنع نسخ الفعل وإن لم يوقعه؛ لأنه لا مصلحة له فيه وهذا كأمر إبراهيم الخليل بذبح ولده، فإن المصلحة لم تكن في ذبحه وإنما كانت في استسلام الوالد والولد لأمر الله وعزمهما عليه وتوطينهما أنفسهما على امتثاله، فلما حصلت هذه المصلحة بقي الذبح مفسدة في حقهما فنسخه الله ورفعه، وهذا هو الجواب الحق الشافي في المسألة، وبه تتبين الحكمة الباهرة في إثبات ما أثبته الله من الأحكام ونسخ ما نسخه منها بعد وقوعه، ونسخ ما نسخ منها قبل إيقاعه، وأن له في ذلك كله من الحكم البالغة ما تشهد له بأنه أحكم الحاكمين، وأنه اللطيف الخبير الذي بهرت حكمته العقول فتبارك الله رب العالمين». وقال الإمام الشيرازي في كتاب (اللمع في أصول الفقه) (١/ ٢٩) ط. دار الكتب العلمية، بيروت، ١٩٨٥ م: «أما نسخ الفعل قبل دخول وقته فيجوز وليس ذلك ببداء، ومن أصحابنا من قال: لا يجوز ذلك وهو قول المعتزلة وزعموا أن ذلك بداء والدليل على جواز ذلك أن الله - تعالى - أمر -