للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لِلنّاظِرِينَ} يدل على أن بياضها كان شديدا يستوقف النظار؛ لتعجبهم منه لخروجه عن البياض المعتاد. قيل: كان لها ليده شعاع يغشى الأبصار ويسد الأفق و {حَوْلَهُ} منتصب بوجهين: أحدهما: أنه ظرف، وفي الظرف ضمير هو صاحب الحال.

والثاني: النصب على الحال، ولقد تحيّر فرعون لما أبصر الآيتين وبقي لا يدري أي طرفيه أطول؟ حتى زل عنه ذكر دعوى الإلهية، ورعدت فرائصه حتى احتاج إلى مشاورة الذين هو إلههم بزعمه. قوله: {لَساحِرٌ عَلِيمٌ} قول باهت قد انقطعت حججه.

{يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ (٣٥) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٣٦) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحّارٍ عَلِيمٍ (٣٧) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٣٨) وَقِيلَ لِلنّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (٤٠) فَلَمّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (٤١) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢) قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (٤٤) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (٤٥) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (٤٦) قالُوا آمَنّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (٤٨) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩)}

{تَأْمُرُونَ} من المؤامرة وهي المشاورة، أو من الأمر ضد النهي، جعل العبيد آمرين وإلههم مأمور لما لحقه من الدهش و {فَماذا} منصوب، إما لكونه في معنى المصدر، وإما لكونه مفعولا به كقوله [من البسيط]:

أمرتك الخير ... (١) ...

أرجأته وأرجيته إذا أخّرته، وهم لغتان ومنه المرجئة وهم الذين لا يقطعون بوعيد الفساق ويقولون: هم مرجئون لأمر الله (٢). والمعنى: أخره ومناظرته ليجتمع السحرة.

وقيل: احبسهما. {حاشِرِينَ} شرطا يجمعون السحرة. وأتوا بلفظة {بِكُلِّ} وبلفظ {سَحّارٍ} للمبالغة في تطمين نفس فرعون. {لِمِيقاتِ يَوْمٍ} هو يوم الزينة {هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ} استبطاء لإجابتهم {نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ} إن غلبوا موسى، وليس القصد إلا الطمع في أن يغلب فرعون موسى. قوله: {إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} جزاء وجواب.


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة النحل، الآية (٥٠).
(٢) تقدم الحديث عن المرجئة في تفسير سورة طه، الآية (٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>