للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمراد: فله خير يتجدد منها؛ لأن العمل ينقطع والجزاء يدوم. وقرئ {يَوْمَئِذٍ} بالفتح مع الإضافة إلى غير المتمكن؛ كقوله: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} (١). وقرئ منصوبا مع تنوين {فَزَعٍ} (٢) والفرق بين الفزعين أن الأول هو ما لا يخلو منه أحد عند الإحساس بشدة تقع من رعب وهيبة وإن كان آمنا في حصول الضرر؛ كما يدخل الداخل على الملك بصدر مملوء هيبة. وأما الثاني فللخوف من العذاب، ونكّر (الفزع) على قراءة من قرأ بنصب {يَوْمَئِذٍ} وتنوين {فَزَعٍ} لأن المراد نوع واحد من الفزع، وهو خوف العقاب لا الخوف عند استشعار أمر عظيم؛ فإن البشرية تقتضيه ولا يخلو منه أحد، ويحتمل أن يريد نوعا شديدا من الفزع فيكون للتعظيم. {آمِنُونَ} أمن يتعدى بنفسه تارة؛ كقوله:

{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ} (٣) ويتعدى بحرف الجر تارة أخرى، تقول: أمنت من زيد.

وقيل: {بِالسَّيِّئَةِ} الإشراك. يعبر عن الجملة بالوجه والرأس والرقبة؛ فكأنه قال:

فكبّوا فيها؛ كقوله: {فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ} (٤). ويجوز أن يكون ذكر الوجوه إيذانا بأنهم يكبون على وجوههم؛ قال الله تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ} (٥). ويجوز فيه الالتفات وحكاية ما يقال لهم عند الكبّ بإضمار القول. أمر رسوله أن يقول: {إِنَّما أُمِرْتُ} يعني: أن الله أمر نبيه أن يعبده ويوحده، وأثنى على نفسه بأنه ربّ مكة وجعل ملكه لسائر الموجودات تبعا لملكه لمكة. {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} الثابتين على الإيمان.

{وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ} يجوز أن يريد: وأن أقرأ القرآن، ويجوز أن يريد: وأن أتبع ما في القرآن من الأمر والنهي من قوله: {وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها} (٦). أي: تبعها، و {الْبَلْدَةِ} مكة الذي حرم


(١) سورة الذاريات، الآية (٢٣).
(٢) قرأ نافع وأبو جعفر (من فزع يومئذ) بالإضافة وعدم تنوين وفتح ميم "يومئذ". وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (فزع يومئذ) بالإضافة وكسر ميم وتنوين "يومئذ" وقرأ عاصم وحمزة والكسائي (من فزع يومئذ) بالتنوين وفتح ميم "يومئذ". تنظر القراءات في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ١٠٢)، تفسير القرطبي (١٣/ ٢٤٥)، الحجة لابن خالويه (ص: ٢٧٦)، الحجة لأبي زرعة (ص: ٥٤٠)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٣٢٩)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٤٨٧)، الكشاف للزمخشري (٣/ ١٦٢)، النشر لابن الجزري (٢/ ٣٤٠).
(٣) سورة الأعراف، الآية (٩٩).
(٤) سورة الشعراء، الآية (٩٤).
(٥) سورة القمر، الآية (٤٨).
(٦) سورة الشمس، الآية (٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>