للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨)}

{عَلَى اسْتِحْياءٍ} أي: مستحيية متخفرة (١) قد استترت بكم درعها، وإنما ماشى موسى ابنة شعيب؛ لأن هذه الحالة يقطع فيها بالأمن من الفتنة، نبيّ كريم وابنة نبي.

وقوله: {لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ} لم يقبله موسى على أنه أجرة؛ بل ضيافة وكرامة لما علم أنه من أولاد إبراهيم، ومثله من يكرم ويحتفل بأمره.

وقولها: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} كلام حكيم جامع لا مزيد عليه؛ لأنه إذا حصل في وكيلك الأمانة والكفاية فقد تفرغ بالك من جهته. قوله عز وجل: {وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي} قصد بنفي علمه بإله غيره نفي وجود معناه:

ما لكم من إله غيري؛ كقوله تعالى عن ذاته المقدسة: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} (٢)؛ لأن العلم تابع للمعلوم يتعلق به على ما هو عليه، ويجوز أن يكون المراد أن إلها آخر غير معلوم عنده، ولكنه مظنون كما قال في آخر الآية: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ} ولو لم يكن المخذول ظانا ظنا كاليقين، بل عالما بصحة قول موسى عليه السلام؛ لقول موسى له: {قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ} (٣) لما تكلف ذلك البنيان العظيم ولا تعب في بنائه ما تعب لعله يطلع بزعمه إلى إله موسى، وإن كان جاهلا مفرط الجهل به وبصفاته؛ حيث حسب أنه في مكان، وأنه يطلع إليه كما كان يطلع إليه إذا قعد في عليته، وليت شعري أكان يضحك على أهل بلاده ويسخر منهم، أم كان هو بهذه الصفات؟! فإن صح ما يروى من عود النشّابة (٤) إليه ملطوخة بالدم فتهكّم به بالفعل؛ كما جاء التهكّم بالقول في آيات كثيرة، ويجوز أن يفسّر


(١) الخفر بالتحريك: شدة الحياء، وخفرت المرأة خفرا وخفارة، فهي خفرة على الفعل ومتخفرة، وتخفرت: اشتد حياؤها. ينظر: لسان العرب (خفر).
(٢) سورة يونس، الآية (١٨).
(٣) سورة الإسراء، الآية (١٠٢).
(٤) النشابة بضم النون وتشديد الشين المعجمة وموحدة وبتاء التأنيث ودونها: السهم. لسان العرب (نشب).

<<  <  ج: ص:  >  >>