للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦) وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) فَلَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨)}

قوله عز وجل: {وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً} أي: دعوناهم بهذه السمة؛ كقوله تعالى:

{وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً} (١). لم يصيروهم إناثا، بل: وصفوهم بذلك.

{وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ} كما ينصر الأئمة الدعاة إلى الحق. {مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} من المطرودين. البصيرة: نور القلب؛ كما أن التبصر نور العين؛ سماها بصائر؛ لأنها سبب في الاهتداء بكشف الغطاء عن الحقائق. {وَرَحْمَةً} لأنهم لو عملوا بها لوصلوا إلى نيل الرحمة. يجوز أن يكون المراد: ترجّي موسى هدايتهم؛ كقوله: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى} (٢). {الْغَرْبِيِّ} المكان الواقع في شق الغرب، وهو موضع خطاب الله لموسى، وقوله عز وجل: {إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ} أي: خاطبناه بالأمر والنهي، وثواب المطيع وعقاب العاصي، والمعني بقوله: {وَلكِنّا أَنْشَأْنا} الاستدراك، أي: أنشأنا بعد عهد الوحي إلى عهدك. {قُرُوناً} كثيرة {فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ} إلى القرن الذي أنت فيه، واندرست العلوم فوجب إرسالك إليهم فأرسلناك، فذكر سبب الوحي الذي هو طول الفترة ودلّ به على المسبب، وإذن هذا الاستدراك شبيه الاستدراكين بعده، ودلّ (١٧٢ /ب) هذا الكلام على أن بعثة الرسل حق، ولمّا كانت أكثر الأعمال تزاول بالأيدي جعل كل عمل من كسب الأيدي وإن كان من أعمال القلوب، والمعنى: ولولا كراهة أن تصيبهم مصيبة فيقولوا:

{لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فبعث الرسل لقطع المعاذير؛


(١) سورة الزخرف، الآية (١٩).
(٢) سورة طه، الآية (٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>