للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٦)}

و {لَهْوَ الْحَدِيثِ} باطله؛ نحو السمر بالأساطير والتحدث بالمضاحيك وفضول الكلام وعلم الغناء والموسيقى (١). وقيل: نزلت في النضر بن الحارث، وكان يتجر إلى فارس ويشتري كتب الأعاجم فيحدث بها قريشا ويقول: أنا أحدثكم بهذه الأحاديث وهي أحسن مما جاء به محمد. وقيل: كان يشتري الجواري المغنيات، وإذا أحس برجل يريد الدخول في الإسلام ذهب به إلى منزله؛ فيطعمه ويسقيه ويسمعه غناء جاريته، ويقول: هذا خير مما يدعوك إليه محمد؛ تقاتل حتى تموت (٢). ويجوز أن تكون الإضافة للبيان؛ كقولك: علم نحو، وثوب خز. ويجوز أن تكون للتبعيض، أي: يتخذ من اللهو بعضه، وهو لهو الحديث.


(١) قال ابن جرير الطبري في تفسيره (٢١/ ٦٣): "والصواب من القول في ذلك أن يقال: عنى به كل ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله، مما نهى الله عن استماعه أو رسوله؛ لأن الله تعالى عم بقوله: لَهْوَ الْحَدِيثِ ولم يخصص بعضا دون بعض، فذلك على عمومه حتى يأتي ما يدل على خصوصه، والغناء والشرك من ذلك".
وقال ابن حزم في المحلى (٩/ ٥٥): "ولو أن امرأ اشترى مصحفا ليضل به عن سبيل الله ويتخذه هزوا لكان كافرا فهذا هو الذي ذم الله تعالى، وما ذم قط - عز وجل - من اشترى لهو الحديث ليلتهي به ويروح نفسه، لا ليضل عن سبيل الله تعالى، وكذلك من اشتغل عامدا عن الصلاة بقراءة القرآن أو بقراءة السنن أو بحديث يتحدث به أو ينظر في ماله، أو بغناء أو بغير ذلك فهو فاسق عاص لله تعالى، ومن لم يضيع شيئا من الفرائض اشتغالا بما ذكرنا فهو محسن". ثم قال ابن حزم بعد كلام طويل وإيراده لكل ما ورد من الأحاديث والأقوال في الغناء ملخّصا رأيه فيه: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
" إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى "فمن نوى باستماع الغناء عونا على معصية الله تعالى؛ فهو فاسق، كذلك كل شيء غير الغناء، ومن نوى به ترويح نفسه؛ ليقوى بذلك على طاعة الله - عز وجل - وينشط نفسه بذلك على البر؛ فهو مطيع محسن، وفعله هذا من الحق، ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه؛ كخروج الإنسان إلى بستانه متنزها، وقعوده على باب داره متفرجا، وصباغة ثوبه، ومد ساقه وقبضها، وسائر أفعاله".
(٢) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٦/ ٥٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>