للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله عز وجل: {خَلَقَ السَّماواتِ} أي: هو وحده خلق هذه المخلوقات العظيمة، فكيف بآلهتكم؟ ثم أضرب عن ذلك إلى تبكيتهم بتورطهم في ضلال لا يقدرون على التخلص منه. {وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لاِبْنِهِ} هو لقمان بن باعوراء ابن أخت أيوب. وقيل: كان من أولاد آزر عاش ألف سنة وأدرك داود عليه السلام (١٨٣ /أ) وأخذ عنه العلم، وكان يفتي قبل مبعث داود، فلما بعث قطع الفتوى؛ فقيل له في ذلك. فقال: ألا أكتفي إذا كفيت؟! وأكثر الأقاويل أنه كان حكيما لا نبيّا (١). وقيل: كان أسود خياطا. وقيل: كان نجارا. وقيل: راعيّا. وقيل: كان يحتطب لمولاه كل يوم حزمة.

{غَنِيٌّ} عن الشكر {حَمِيدٌ} يحب أن يحمد. {وَهْناً عَلى وَهْنٍ} أي: حملته تهن وهنا على وهن؛ كقولك: رجع عودا على بدء، وهو منصوب على الحال. وقيل: ضعفا متزايدا؛ لأن الحمل متى طالت مدته ازداد ثقله. {فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً} بالأدب والإحسان حسنا بخلق جميل، وحلم وبرّ وصلة، وما يقتضيه الكرم والمروءة.

{سَبِيلَ مَنْ أَنابَ} هم المؤمنون، ولما ذكر الله تعالى الوالدين وما لقيا من التعب في التربية بدأ بالأم؛ لأنها تلقى من المشاق ما لا يلقاه الأب أولا، ثم ذكرت وحدها بعد ذلك.

فإن قلت: ما معنى توقيت الفصال بعامين؟ قلت: الأغلب على حال الولد أنه حينئذ يقوى على الفطام. وعن أبي حنيفة رحمه الله: أن مدة الرضاع ثلاثون شهرا؛ فإن أرضعت بعد ذلك لم يفد تحريما (٢).


(١) قال السيوطي في الدر المنثور (٦/ ٥١١ - ٥١٢): "وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال: خير الله تعالى لقمان بين الحكمة والنبوة، فاختار الحكمة على النبوة، فأتاه جبريل عليه السلام وهو نائم فذر عليه الحكمة فأصبح ينطق بها، فقيل له: كيف اخترت الحكمة على النبوة وقد خيرك ربك؟ فقال: لو أنه أرسل إلي بالنبوة عزمة لرجوت فيها الفوز منه ولكنت أرجو أن أقوم بها، ولكنه خيرني فخفت أن أضعف عن النبوة فكانت الحكمة أحب إلي. وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه رضي الله تعالى عنه أنه سئل: أكان لقمان عليه السلام نبيّا؟ قال: لا، لم يوح إليه، وكان رجلا صالحا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ليث رضي الله تعالى عنه قال: كانت حكمة لقمان عليه السلام نبوة. وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله تعالى عنه قال: كان لقمان عليه السلام رجلا صالحا ولم يكن نبيّا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله تعالى عنه قال: كان لقمان عليه السلام نبيا".
(٢) ينظر: بداية المبتدي للمرغيناني (١/ ٦٦)، الدر المختار لابن عابدين (٣/ ٢١٠)، لسان الحكام لإبراهيم بن أبي اليمن الحنفي (١/ ٣٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>