للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويجوز أن يكون المراد: النبي أولى بالمؤمنين بشفقته عليهم والسعي في مصالحهم، وأرأف بهم وأرحم؛ لقوله تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ} (١).

وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة؛ اقرؤوا ما شئتم: {النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} " (٢).وفي قراءة ابن مسعود: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم" (٣).وقال مجاهد: كل نبي أبو أمته (٤) صار المؤمنون إخوة بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أبو هم في الدين وأزواجه أمهاتهم. واعلم أن هذه النسبة لا تتفرع تفرع الأنساب؛ فلا يقال معاوية خال المؤمنين، وما أشبه ذلك من الأنساب، واختلفوا في نساء النبي صلى الله عليه وسلم هل هن أمهات لنساء المؤمنين؟ على وجهين.

{وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ} في بعض الأحكام؛ وهي تحريم نكاحهن بقوله تعالى: {وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً} (٥). واحترامهن، وهن فيما وراء ذلك بمنزلة الأجنبيات. وقول عائشة رضي الله عنها: "لسنا أمهات النساء" (٦) تريد به أن تحريم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم إنما يظهر في الرجال؛ لأن المرأة بالنسبة إلى المرأة لا توصف بحل ولا حرمة. وقد تزوج عثمان ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوج علي فاطمة، ولم يقل لأحد منهم إنه تزوج أخته من أبيه.

وكان المسلمون في ابتداء الإسلام يتوارثون بالحلف والنصرة والهجرة، ثم نسخ ذلك بقوله:

{وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ} (١٨٨ /ب).

{فِي كِتابِ اللهِ} عني: اللوح المحفوظ، أو: فيما أوحى الله إلى نبيه وهو هذه الآية، أو آية المواريث، أو: فيما فرض؛ كقوله: {كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ} (٧). {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ} يجوز أن يكون بيانا لأولي الأرحام، أي: الأقرباء من المؤمنين والمهاجرين،


(١) سورة التوبة، الآية (١٢٨).
(٢) رواه البخاري رقم (٢٣٩٩)، ومسلم رقم (١٦١٩)، والترمذي رقم (١٠٧٠)، والنسائي (٤/ ٦٦)، وابن ماجه رقم (٢٤١٥)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) تقدم تخريجها في تفسير سورة هود، الآية (٧٨).
(٤) رواه سفيان الثوري في تفسيره (١/ ١٣١) ط. دار الكتب العلمية - بيروت - ١٩٨٣ م.
(٥) سورة الأحزاب، الآية (٥٣).
(٦) ذكره بهذا اللفظ الزمخشري في الكشاف (٣/ ٥٢٣)، وذكر السيوطي في الدر المنثور (٦/ ٥٦٧) ونسبه لابن سعد وابن المنذر والبيهقي في سننه عن عائشة: "أن امرأة قالت لها: يا أمي. فقالت: أنا أم رجالكم، ولست أم نسائكم".
(٧) سورة النساء، الآية (٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>