للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلنا: إنما يتوجه السؤال إذا لم يقرن به ما تقوم به الحجة عليه؛ لقوله تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ} فإن الجزاء من جملة العدل، وإيصال كل ذي حق إلى حقه.

{مِثْقالُ ذَرَّةٍ} مقدار أصغر نملة، وقرئ {وَلا أَصْغَرُ} {وَلا أَكْبَرُ} بالرفع فيهما على الابتداء، وبالنصب على نفي الجنس (١).

قوله عز وجل: {وَيَرَى} يجوز أن يكون مرفوعا مستأنفا، أو منصوبا على العطف ل‍ "يجزي". قال بعض كفار قريش لبعض: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ} يعنون النبي صلى الله عليه وسلم يخبركم أنكم إذا مزقتم كل تمزيق، وصرتم رفاتا تنشأون خلقا جديدا، ثم قسّم الأمر في ذلك بين أن يكون مفتريا على الله، أو به جنون يغشاه فيداوى منه، والعامل في {إِذا} ما دل عليه قوله:

{إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي: تبعثون، ولا يعمل فيه {لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} لأن ما بعد "إن" لا يعمل فيما قبلها، وقد سبق نظيره في سورة النمل.

فإن قلت: {جَدِيدٍ} بمعنى فاعل أو مفعول؟ قلت: هو عند البصريين بمعنى فاعل (جد) فهو مجدود، ومنه جداد النخل، وهو قطع ثمرها، وسقطت همزة الوصل في قوله: {أَفْتَرى عَلَى اللهِ} ولم تسقط في قوله:

{أَسِحْرٌ} (٢) و {آللهُ أَذِنَ لَكُمْ} (٣) لأن مسألة السحر لو سقطت المدة لا لتبس الاستفهام بالخبر، بخلاف {أَفْتَرى عَلَى اللهِ؛} فإن الهمزة لو ظهرت لكانت مكسورة. قوله:

{وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ} مجاز؛ لأن البعد حقيقة في الأماكن، وقد نسب البعد - هاهنا - إلى الضلال، وإنما البعيد هو الضال؛ قد أبعد عن الطريق فعوده إليها مبطئ مع بعدها.

{أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩) وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ}


(١) قرأ الجمهور "ولا أصغر من ذلك ولا أكبر" بالرفع، وقرأ قتادة والأعمش بالنصب.
تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٢٥٨)، تفسير القرطبي (١٤/ ٢٦٠)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٤٢٩)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٢٧٩).
(٢) سورة يونس، الآية (٨١).
(٣) سورة يونس، الآية (٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>