للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا يقوم غيري مقامي فيه، ويجوز أن يكون أطلع على أن هذه المملكة اشتملت على مصالح عديدة لا يقدر عليها كل أحد. ومن جرأة الحجاج (١) أنه قيل له: إنك لحسود.

فقال: أحسد مني من قال: {لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} (٢).

{فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ (٣٦) وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنّاءٍ وَغَوّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٣٨) هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٤٠)}

{رُخاءً} لينة طيبة لا تتزعزع. وقيل: رخاء طائعة له. حكى الأصمعي عن العرب:


(١) هو الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر، أبو محمد الثقفي، نشأ شابا لبيبا فصيحا بليغا حافظا للقرآن. قال بعض السلف: كان الحجاج يقرأ القرآن كل ليلة. وقال أبو عمرو بن العلاء: ما رأيت أفصح منه ومن الحسن البصري، وكان الحسن أفصح منه. ولي الحجاز والعراق وفتح فتوحات كثيرة هائلة منتشرة حتى وصلت خيوله إلى بلاد الهند والسند ففتح فيها جملة مدن وأقاليم ووصلت خيوله أيضا إلى قريب من بلاد الصين. قال ابن كثير في البداية والنهاية: وكان جبارا عنيدا مقداما على سفك الدماء بأدنى شبهة وقد روى عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر، فإن كان قد تاب منها وأقلع عنها وإلا فهو باق في عهدتها، ولكن قد يخشى أنها رويت عنه بنوع من زيادة عليه فإن الشيعة كانوا يبغضونه جدّا، وربما حرفوا عليه بعض الكلم وزادوا فيما يحكونه عنه بشاعات وشناعات. وقد روينا عنه أنه كان يتدين بترك المسكر وكان يكثر تلاوة القرآن ويتجنب المحارم، ولم يشتهر عنه شيء من التلطخ بالفروج وإن كان متسرعا في سفك الدماء فالله تعالى أعلم بالصواب وحقائق الأمور وسرائرها وخفيات الصدور وضمائرها. وعن عمر بن عبد العزيز أنه قال: ما حسدت الحجاج عدو الله على شيء حسدي إياه على حبه القرآن وقوله حين حضرته الوفاة: اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل. وعن الأصمعي قال لما حضرت الحجاج الوفاة أنشأ يقول:
يا رب قد حلف الأعداء واجتهدوا بأنني رجل من ساكني النار
أيحلفون على عمياء ويحهم ما علمهم بعظيم العفو غفار قال فأخبر بذلك الحسن فقال: بالله إن نجا لينجون بهما. وزاد بعضهم في ذلك:
إن الموالي إذا شابت عبيد في رقهم عتقوهم عتق أبرار
وأنت يا خالقي أولى بذاكر ما قد شبت في الرق فاعتقني من النار توفي الحجاج سنة ٩٥ هـ‍. تنظر ترجمته في: البداية والنهاية لابن كثير (٩/ ١١٧)، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي (١/ ١٠٦)، وفيات الأعيان (٢/ ٢٩).
(٢) ذكر ذلك الزمخشري في الكشاف (٤/ ٩٥)، والمناوي في فيض القدير (٢/ ٤١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>