للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتدبره كأن بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حجابا منيعا أو حاجزا من جبل أو نحوه. {فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ} أمر تهديد وليس إذنا في العمل، أو: فاعمل على إبطال أمرنا؛ إنا عاملون على إبطال أمرك. و" من "في قوله: {وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ} فيها فائدة وهي أن الحجاب قد سد ما بينهما، ولو فقدت (٢٤٠ /ب) " من "لكان الحجاب قد ابتدأ من أول البينونة، ولا يلزم استيعابه لما بينهما.

فإن قلت: هلا قيل: على قلوبنا أكنة؛ كما قيل: وفي آذاننا وقر فيكونان على نمط واحد؟

قلت: المعنى واحد، وإن اختلف اللفظ؛ لقوله: {إِنّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} والملاحظة إنما تراعى في المعاني دون الألفاظ.

{قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨) قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيّامٍ سَواءً لِلسّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١)}

وقوله: {قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ} جواب لقولهم: {قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ} من حيث إنه قال:

لست ملكا؛ إنما أنا بشر.

{فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ} أي: أجيبوا إلى الطاعة واسلكوا سبيلا سويا ليس فيه ميل عن الحق، وتوبوا إليه مما سبق منكم من الشرك، وقرئ" قل إنما أنا بشرا " (١).وإنما خص منع الزكاة بالتهديد وقرنه بالكفر بالآخرة؛ لأن المال شقيق الروح؛ فإن بذله في طاعة الله فقد جاهد نفسه جهادا كبيرا، وما خدع المؤلفة قلوبهم إلا بعرض يسير من الدنيا، وأصحاب مسيلمة الكذاب تظاهروا بمنع الزكاة فكفروا وقاتلهم المسلمون. {غَيْرُ مَمْنُونٍ}


(١) قرأ بها الأعمش والمطوعي ويحيى بن وثاب. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٤٨٤)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٥٦)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٤٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>