للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سأزوره، وأنت تعرف أنه يقدر، لكن المراد: هل تريد أن تمشي معي، فيكون قوله: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} أي: هل يريد وليس عندهم شك في كونه قادرًا عز وجل فتكون الاستطاعة بمعنى القدرة. الوجه الثاني: أن يكون عنده الإيمان بقدرة الله على كل شيء، لكن التفصيل قد يتردد الإنسان في حصوله ويحتاج إلى زيادة الطمأنينة، يعني هم يؤمنون بالقدرة العامة، لكن قد يحصل عند الإنسان شك في القدرة الخاصة، كحال الرجل الذي قال لأهله، وكان مسرفًا على نفسه: "إذا أنا متُ فأحرقوني ثم ذروني في اليم -يعني في البحر- فوالله لأن قدر الله علي ليعذبني عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين" (١) الرجل خائف من الله، وليس عنده شك بأنه قادر، لكن على سبيل العموم، أما على هذا الفعل بعينه، فإنه يقول: لعله إذا أحرق وذر في اليم لا يقدر النه عليه، وانظر إلى مريم، وانظر إلى زكريا، لما بشره الله تعالى بأنه سيهبه ولدًا ماذا قال؟ {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨)} [مريم: ٨]، كيف يصير هذا؟ قال الله له: {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (٩)} [مريم: ٩]، يعني انظر لأصلك: {خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} إذًا: فالله عزّ وجل قادر على أن يخلق ولدًا، ومع هذا طلب آية على تحقق ما بشر به.

هناك وجه ثالث يقول: {هَلْ يَسْتَطِيعُ} ليس من الاستطاعة التي هي ضد العجز، بل من الاستطاعة التي هي الإطاعة، يعني:


(١) تقدم ص ١٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>