هو وَعْدٌ لكن لم يتحقق؛ لأن الله تعالى اشترط شرطًا لم يلتزمه بنو إسرائيل؟
في ذلك قولان للعلماء: فمنهم من قال: إن الله أنزلها؛ لأن وعده حق وهو لا يخلف الميعاد، وقد قال الله تعالى:{إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} أو "مُنْزِلُهَا عَلَيْكُمْ" ثم توعد من كفر بعد إنزال هذه الآية، وإن كان هذا مما يرجح أنها نزلت، لكن كونها لم تذكر في كتب النصارى ولم يعرفوها، وعيسى سأل الله تعالى أن تكون عيدًا لأولهم وآخرهم يشكل على هذا، وإن كان ليس ذاك الإشكال البعيد؛ لأنه قد يقال: إن الله تعالى لم يجب عيسى في كل ما سأل.
وقال بعضهم: إنه لم ينزلها؛ لأن الله اشترط فقال:{فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ} ولما رأوا هذا الشرط الثقيل الذي يصعب أن يحقق عدلوا عن طلبهم فلم تنزل مائدة، وهؤلاء أيدوا رأيهم بأن النصارى لا يعرفون عن هذه المائدة شيئًا في كتبهم، وقالوا: إنها لو نزلت لكانت عيدًا لأولهم وآخرهم كما طلب عيسى عليه الصلاة والسلام، ولما لم يكن عندهم علم بهذه المائدة، علمنا أنهم لم يقبلوا الشرط الذي اشترطه الله، فلم ينزلها الله عزّ وجل، والآية في الحقيقة محتملة، يعني: لا يستطيع الإنسان يجزم بهذا ولا هذا.
فإن قال قائل: لماذا لا نجزم بأنها لم تنزل؛ لأنها لم توجد في كتبهم؟ فالجواب عن هذا سهل لعلها من جملة ما نسي وترك من دين النصارى فلم يكن عندهم علم منها، والله أعلم أنزلت أم لم تنزل، ومتى احتملت الآية معنيين على السواء ولا مرجح، فإن