كانا لا يتنافيان حملت عليهما جميعًا، وإن كانا يتنافيان فالتوقف، وهنا فيما أرى أن الآية محتملة هل نزلت أم لم تنزل، وأما ما ذكره ابن كثير رحمه الله من الإسرائيليات في تعيين هذه المائدة، لو أنه رحمه الله تركها لكان أحسن.
لكن لو قال قائل: أليس هذا التعيين يدل على أن كتبهم دلت على هذه المائدة؟
الجواب: لا أدري، لكن الأناجيل الموجودة بأيديهم ليس فيها ذكر المائدة، وإن كان أحبارهم قد حرفوا هذه الأناجيل، أنا ما قرأتها، لكن يذكرون أن فيها اختلافًا كثيرًا، كل يدير أن هذا الإنجيل الذي معه هو الذي نزل على عيسى.
قوله:{فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْد} أي: بعد إنزالها، وبنيت "بعدُ" على الضم؛ لأنه حذف المضاف إليه ونوي معناه، و (قبل) و (بعد) إذا حذف المضاف إليه ونُوِيَ معناه بُنِيَا على الضم، وإذا حذف ونُوِيَ لفظه أعربا لكن بدون تنوين، وإذا حذف ولم ينوِ لفظه أعربا ولبهن بتنوين، فمثلًا إذا قلت:{لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}[الروم: ٤]، هنا حذف المضاف إليه ونوي معناه.
وفي قول الشاعر:
فساغ لي الشراب وكنتُ قبلًا ... أكاد أغُصُ بالماءِ الفراتِ
لم ينوِ لا لفظه ولا معناه، وإذا قلت:"سأزورك من قبلِ ومن بعدِ مجيء فلان"، الأولى: حُذِفَ المضاف إليه ونوي لفظه، والثانية: وُجِدَ المضاف إليه، فصار إما أن يحذف المضاف إليه وإما أن يوجد في "قبل وبعد وأخواتهما"، إن وجد المضاف إليه فهما معربان بلا تنوين، وإن حذف ونوي لفظه فهما معربان بلا