لما ذهب إليه بعض الأصوليين وقال: يجب أن يغسل جزءًا من الرأس؛ لأنه لا يتحقق أنه غسل جميع الوجه إلا بغسل جزء من الرأس، ويجب أن يمسح بعض الوجه؛ لأنه لا يتحقق أنه مسح الرأس كله إلا بمسح بعض الوجه، فيكون عندنا جزء من البدن تجب فيه طهارتان، مسح وغسل، وهذا خلاف ظاهر القرآن، وهو في الحقيقة نوع من التنطع، فيقال: حد الوجه معروف، وما زاد عن الوجه فليس بواجب أن يُغسل.
الفائدة الحادية عشرة: وجوب غسل الأيدي من أطراف الأصابع إلي المرافق، لقوله:{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}.
لو قال قائل: الآية لم تذكر أن غسل اليدين قبل الوجه مما يدل علي عدم الوجوب، لكن لو قيل إن الوجوب يؤخذ من مداومة النبي - صلى الله عليه وسلم - علي غسلها؟
الجواب: هذا يرده قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتي يغسلها ثلاثًا"(١) فأوجب الغسل فيما إذا كان قد قام من نوم الليل والفعل لا يدل علي الوجوب، خاصة إذا كان عندنا نص من القرآن وظاهر السنة، وأما كونهم يستدلون بالمداومة علي الوجوب في بعض الأحكام هذا إذا لم يوجد معارض، وهنا يوجد معارض وهو ظاهر الآية.
(١) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب الاستجمار وترًا، حديث رقم (١٦٠)، ومسلم، كتاب الطهارة، باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك في نجاستها، حديث رقم (٢٧٨) عن أبي هريرة، واللفظ لمسلم.