قوله:{كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ}{كُونُوا}: أَمْرٌ بأن نكون، والأمر هنا شرعي.
وقوله:{قَوَّامِينَ}: أي: ذوي قيام، وإنما قلت ذلك؛ لئلا يقال: إن الأمر في كثرة القيام وليس في القيام أصله، فنقول:"قوامين" التشديد فيها للنسبة وليس للكثرة، ويحتمل أن نجعلها للكثرة باعتبار كثرة المخاطبين، فإذا كانوا أمة فقام واحدٌ بهذا وقام واحد بهذا، وواحد بهذا صار المجموع كثيرًا، فصاروا قوامين.
على كل حال: إن جعلت "فعَّالًا" للكثرة فهي باعتبار المجموع، إذا كان كل واحدٍ قائمًا بالقسط وهم أمة صح أن يقال: قوامون، وإن جعلتها غير مبالغة فهي للنسبة، أي: كونوا ذوي قيام، فتشمل القليل والكثير.
والحاصل: أننا إذا قلنا إنه موجه للكثرة صار الذي يأتي بمرة واحدة ليس داخلًا في الأمر وليس ممتثلًا له، وإنما نأخذ ذلك من أدلة أخرى؛ لأن الذي قام بالقسط مرة واحدة قد امتثل، وإذا كان مأمورًا به في واحدة فمن باب أولى يكون مأمورًا به في كل مرة، وضابط التفريق بين المعنيين القرينة والسياق، فقول الله تعالى:{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت: ٤٦] لو قال قائل: إن هذه للكثرة ما استقام؛ لأن المنفي على هذا المعني هو كثرة الظلم فقط، فإذا قلنا للنسبة صح ذلك؛ لأن الله جلَّ وعلا نفى عن نفسه نسبة الظلم إليه ولو مرة واحدة، وأيضًا إذا قلت:"لا تكن أكَّالًا" فالمعنى لا تكثر الأكل، وليس المعنى لا تأكل أبدًا،