إنا نصارى {فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ}، نسوا: أي: تركوا وهذا نسيان عمل، وهل يمكن أن يكون نسيان علم؟ لا يمكن، إن قلنا: إن بني إسرائيل قد سقطت عنهم المؤاخذة بالنسيان، لأنه إذا سقطت عنهم المؤاخذة فإنهم لا يعاقبون.
لكن إذا قلنا: إن عدم المؤاخذة بالنسيان خاص بهذه الأمة، قلنا: إن قوله: {وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ}[المائدة: ١٣] يتناول: نسيان العلم ونسيان العمل، ولا شك أن نسيان العمل أشد من نسيان العلم حتى على القول: بأنهم يؤاخذون بنسيان العلم.
وقوله:{حَظًّا} أي: نصيبًا.
قوله:{فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} ولم يذكر الله تعالى لهؤلاء النصارى مثل ما ذكر لليهود من أنه لعنهم وجعل قلوبهم قاسية، وابتلوا بتحريف الكلم عن مواضعه، ونسوا حظًّا مما ذُكِّروا به. أما هؤلاء فقال:{فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ}، هذا العقاب يقول عزّ وجل:{فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ} أي: ألقيناها بينهم، لكنه عبر بالإغراء كأن كل واحد قد أغري بالآخر من شدة العداوة بينهم.
وقوله:{الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ}، "العداوة": بالقول والفعل، و"البغضاء": بالقلب. يعني: فلا موالاة بينهم ولا موادة، بل العداوة التي هي ضد الولاية والبغضاء التي هي ضد المودة.
وقوله:{إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} يعني: حتى إلى وقتنا هذا، فالنصارى مختلفون متعادون، يضلل بعضهم بعضًا ويكفر بعضهم بعضًا.