للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تبطل حجة الخصم ثم تأتي بما يُثْبِت خلاف قوله. فهنا قال: {فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} وهذا يتضمن الشيئين مما ينافي أن يكونوا أحبة وأبناءً: الأول: أنهم أذنبوا، والأصل في الابن ألا يكون مذنبًا في جانب والده، بل يكون سميعًا مطيعًا له لا عاصيًا مذنبصا. الثاني: من جهة الأبوة التعذيب منافٍ لدعواهم أن الله أب لهم أو أنه حبيبهم؛ لأن العادة أن المحب يعفو ويصفح عن حبيبه إذا اعتدى أو أذنب أو ما أشبه ذلك، فهنا نقض الله تعالى دعواهم بأمرين:

الأمر الأول: أنهم أذنبوا.

والأمر الثاني: أنهم عذبوا.

فكيف تقولون أنكم أحباء له وأنتم تعصونه وتذنبون ثم كيف يكون حبيبًا لكم وهو يعذبكم؟ {فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ}، ثم احتج الله عليهم بعد أن أبطل حجتهم، فقال: {بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ}، و"بل": هنا للإضراب الإبطالي؛ لأنهم لما قالوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} قال: {بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} كسائر البشر، و"البشر" هم بنو آدم، وسموا بشرًا؛ لأن أبشارهم بادية بخلاف بقية المخلوقات فإن غالبها أبشارها غير بادية، بنو آدم أبشارهم بادية لحكمة عظيمة، ولذلك تجدهم مفتقرين إلى اللباس شتاءً وصيفًا حياءً وخجلًا، فأراد الله عزّ وجل أن يجعل أبشارهم بادية حتى يعرفوا أنهم مضطرون إلى ستر هذه العورة، وإلى فعل ما يقون به أنفسهم من الأذى، إشارة إلى أنهم كما أنهم مستحقون لهذا حسًّا، فهم مستحقون له أيضًا معنى فليلبسوا لباس التقوى حتى يتقوا به النار، كما يلبسوا لباس الجلود حتى يتقوا بها الأذى.

<<  <  ج: ص:  >  >>