وقوله:{بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} أي: من سائر المخلوقات.
قوله:{يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} فالأمر إليه، يغفر لمن يشاء أن يغفر له فيوفقه لفعل أسباب المغفرة، وإنما قلنا ذلك؛ لأن لدينا قاعدة مهمة وهي: أن كل فعل قرنه الله بالمشيئة فلا بد أن يكون موافقًا للحكمة؛ لأن مشيئة الله ليست مشيئة مجردة ترجح شيئًا على شيء بدون سبب.
وعلى هذا فقوله:{لِمَنْ يَشَاءُ} أي: لمن اقتضت حكمته أن يغفر له وهو التائب من الذنب، وكذلك من مَنَّ الله عليه بالمغفرة بدون توبة وهو المذكور في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨].
وقوله:{وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} يعذب من يشاء أن يعذبه بأن فعل ما يقتضي التعذيب، وليس الأمر لمجرد مشيئة؛ لأن الله تعالى لا يعذب أحدًا إلا بذنب، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (١١٢)} [طه: ١١٢]، لا ظلمًا بزيادة السيئات ولا هضمًا بنقص الحسنات، وعلى هذا فيكون التعذيب المقرون بالمشيئة مقيدًا بما إذا اقتضت الحكمة أن يُعَذِّبَ، ومن ذلك: أنتم أيها اليهود والنصارى، فقد شاء الله تعالى أن يعذبكم وفعلًا عذبكم بذنوبكم؛ لأنكم عصيتموه.
قوله:{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} هذا تقدم الكلام عليه في الآية التي قبلها، لكن اختلف ختم الآيتين، فقال في الآية السابقة:{وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[المائدة: ١٧]؛ لأن المقام مقام ردٍّ على الذين قالوا: إن الله هو