وقوله:{مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ}"من" هذه يعربها المعربون على أنها: زائدة لفظًا لكنها تزيد في المعنى التوكيد، وهذه قاعدة معروفة عند البلاغيين: أن جميع الحروف الزائدة تفيد التوكيد، وأصل الكلام: ما جاءنا بشير ولا نذير، هذا الأصل، لكن إذا دخلت "مِنْ" صارت أدل على النفي مما لو لم تدخله، ولهذا يقولون: إن النفي قد يكون نصًّا في التعميم إذا كان الحرف النافي هي "لا" أو اقترن بحرف الجر الزائد سواء كان "من" أو "الباء"، فقوله:{مِنْ بَشِير}"من" زائدة من حيث الإعراب، "بشير": فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد؛ لأن حرف الجر أداة لفظية، فلا بد أن يكون تأثيرها في اللفظ أكثر من تأثيرها في المعنى، والمعطوف على الفاعل المجرور بحرف الجر الزائد يجوز فيه اعتبار المحل واعتبار اللفظ، فيجوز فيه الجر والرفع كما في قوله تعالى:{مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف: ٥٩] بالرفع و"غيرهِ" بالجر، فيجوز فيها الوجهان.
واعلم أن الحرف الزائد في القرآن لا بد أن يقيد بأنه حرف زائد في الإعراب، وبعض المعربين يقول: حرف صلة ولا وجه له، بل يقال: إنه حرف زائد إعرابًا، ومن العبارات التي تقال: زائد زائد، أي: زائد لفظًا زائد معنى، فالأول: زائد من الناقص، من "زاد""يزيد"، والثاني من "زاد" المتعدي؛ لأن زاد تصلح ناقصة، وتصلح متعدية، قال تعالى:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى}[محمد: ١٧] هذه متعدية، وتقول: زاد الماء، هذا لازم.