قوله:{وَإِذْ قَالَ مُوسَى}"إذ": هذه ظرف، ومن القواعد المقررة عند النحويين: أنه لا بد لكل جار ومجرور أو ظرف، من متعلق، هذا المتعلق هو العامل في الواقع؛ لأن الظرف مفعول فيه فلابد من فعل يقع فيه، والجار والمجرور في محل المفعول به فلابد له من متعلق كذلك، ولهذا قال ناظم الجمل:
لابد للجار من التعلقِ ... بفعلٍ أو معناه نحو مرتقي
وقوله:{وَإِذْ قَالَ مُوسَى}"إذ" هذه ظرف تحتاج إلى عامل، أرى أن جميع المعربين إلا من لم نطلع على إعرابهم في القرآن الكريم كما جاءت "إذ" غالبًا يقدرون لها "اذكر إذ قالوا"، وهنا هل نقول: إن متعلق "إذ"، "اذكر"، فيكون هنا الخطاب موجهًا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو أن المراد: اذكروا أي: يا أهل الكتاب، نقول: يحتمل هذا أو هذا، فإن كان الثاني: فمعناه أن الله تعالى بنفسه يذكرهم، وإن كان الأول، فمعناه أنه أمر رسوله أن يذكرهم، ومؤدى المعنيين واحد.
قوله:"إذ قال موسى لقومه" وهم بنو إسرائيل {يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}، قوله:"يا قوم": ناداهم مناداة البعيد، قال أهل البلاغة: وهذا يدل على إعراضهم وصدودهم وعلى بلاهتهم، ولا شك أن بني إسرائيل من أشد الناس عتوًا حتى على نبيهم عليه الصلاة والسلام، فلذلك قال:{يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} و "النعمة" هي الإفضال والإحسان, والمراد: اذكروا هذه النعمة لتقوموا بشكرها، ثم بَيَّن هذه النعمة فقال:{إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا}(إذ) متعلقة بـ (نعمة)؛ لأنها بمعنى إنعام، أي: اذكروا إنعام الله عليكم.