قوله:{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} هذا شرط في إخلاص التوكل على الله عزّ وجل، إذ لا يتوكل على الله تمام التوكل إلا من كان عنده إيمان بما وعبد الله به في قوله:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق: ٣].
وبعد هذه المشورة وهذا التوجيه الحسن النافع، انظر الجواب:{قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا} وهذا النفي نفي لفعلهم الشرعي أو نفي لفعل الله القدري؟
الجواب: الأول، يعني: لا يمكن أن ندخلها ما داموا فيها، وإذا ذهبوا عنها، دخلوها، هل هذا كلام؟ ! معلوم أنك إذا وجدت قرية خالية ليس فيها أحد، وأنت تريد أهلها معلوم أنك ستدخلها. لكن هذه عقلية بني إسرائيل.
ولذا قالوا:{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا} يقولون لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ}، فمن ربه؟ قال بعض المفسرين: ربه هو هارون؛ لأن الرب يطلق على السيد وهارون أكبر من موسى، والأكبر من الأخوين يكون سيدًا للأصغر منهما، لكن هذا بعيد، والظاهر أنهم أرادوا الرب رب العالمين عزّ وجل؛ لأن موسى يدعوهم إلى الله، وإلى ربهم تبارك وتعالى.
فكأنهم من عجرفتهم وكبريائهم وغطرستهم، يقولون: ما دام أن عندك رب، اذهب أنت وربك فقاتلا، فأرادوا من الله أن ينزل الميدان يقاتل مع موسى - قاتلهم الله -، ومع ذلك قالوا:{إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} ها هنا: في المكان القريب؛ لأن "هنا": للقريب، و "هنالك": للبعيد. هنا في مكاننا لن نتعداه، سنبقى متفرجين عليك أنت وربك، ولا يخفى ما في هذا الكلام من الغطرسة والعجرفة والجفاء - والعياذ بالله - فماذا قال موسى؟