والجار والمجرور في قوله:{وَعَلَى اللَّهِ} متعلق بقوله: {فَتَوَكَّلُوا} والفاء مزيدة لتحسين اللفظ، ولهذا لو قيل:"وعلى الله توكلوا"، لصح، ولا يصح أن نجعلها عاطفة، يعني: لو جعلناها عاطفة والواو عاطفة ما استقام الكلام، ولكنها زيدت لتحسين اللفظ.
وقوله:{فَتَوَكَّلُوا} التوكل قال العلماء: إنه صدق الاعتماد على الله، أي: أن يعتمد الإنسان على ربه اعتمادًا صادقًا مع الثقة به وحسن الظن، وفعل الأسباب، هذه أربعة أوصاف: الأول: صدق الاعتماد على الله، الثاني: مع الثقة به، الثالث: وحسن الظن، والرابع: فعل الأسباب.
فإذا اجتمعت هذه الأوصاف الأربعة فإذا هو حقيقة التوكل، فمن اعتمد على الله لكنه في شك فإنه ليس بمتوكل حقيقة، كذلك أيضًا لو أنه اعتمد على الله ولكنه لم يثق تلك الثقة، إما لما يعلم من ذنوبه أو لما يعلم من قصور الأسباب، أو لغير ذلك، فإنه لم يصدق التوكل، والثالث: حسن الظن، وحسن الظن في التوكل أن يظن الإنسان بربه تبارك وتعالى أنه حسبه لقوله تعالى:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق: ٣] وقوله: مع فعل الأسباب؛ لأن هذا لا بد منه، إذ إن الله تعالى يقدر الشيء بسببه، وهذا من تمام حكمته.
انظر إلى قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا}، ثم قال:{فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ}[الملك: ١٥] فلابد من سعي ولذا قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}[الجمعة: ١٠] فلابد من فعل الأسباب، ولكن بشرط أن تكون الأسباب شرعية، إما منصوصًا عليها في الكتاب والسنة، وإما معلومة بالتجارب التي يشهد لها القدر.