للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

امتنع عن قتل صاحبه، فهل يؤخذ منه أنه ينبغي لمن أراد إنسان أن يقتله أن يستسلم؟ يحتمل هذا وهذا، فيحتمل أنه قال: {مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} وأما المدافعة فسأدافع، ولكن مدافعة لا تصل إلى القتل، وعلى كل حال سواء كان هذا الاحتمال هو المراد أو الأول، فإن شريعتنا وردت بخلاف ذلك، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر من أراده أحد على نفسه أن يقاتله، ومن أراده على ماله أن يقاتله، ومن أراده على أهله أن يقاتله (١)، وبيَّن أن المدافع إذا قتل فهو شهيد، وأن الآخر الصائل إذا قتل فهو في النار؛ لأنه أراد قتل صاحبه (٢).

ولكن العلماء رحمهم الله قالوا: إن هذا بالنسبة للشريعة الإِسلامية يختلف باختلاف المصلحة، ففي حال الفتنة ينبغي الاستسلام، وفي حال الأمن تجب المدافعة، وهذا هو الصحيح؛ لأنه في حال الفتنة ربما يترتب على القتل بالمدافعة، إراقة دماء كثيرة، ولهذا استسلم عثمان رضي الله عنه للقتلة، وطلب منه الصحابة أن يدافعوا عنه فأبى؛ لأنهم لو دافعوا لاشتبكوا بهؤلاء الخوارج ثم حصل إراقة دماء كثيرة، وهذا هو الأصح، أن يقال:


(١) رواه أبو داود، كتاب السنة، باب في قتال اللصوص، حديث رقم (٤٧٧٢)، والترمذي، كتاب الديات، باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد، حديث رقم (١٤٢١)، والنسائي، كتاب تحريم الدم، باب من قاتل دون دينه، حديث رقم (٤٠٩٥) عن سعيد بن زيد.
(٢) رواه أحمد (٣/ ٤٢٣) (١٥٥٢٥)، والطبراني في الكبير (١٩/ ٣٩) عن قهيد بن مطرف، ولفظ أحمد: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسألة سائل: إن عدا عليَّ عاد، فأمره أن ينهاه ثلاث مرار، قال: فإن أبي، فأمره بقتاله، قال: فكيف بنا؟ قال: إن قتلك فأنت في الجنة، وإن قتلته فهو في النار).

<<  <  ج: ص:  >  >>