للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما الوجه الثاني: فيمكن أن يقال: في البقرة والنحل قال: {إِنَّمَا حَرَّمَ} لأنه بصيغة الحصر في أمور أربعة، فكأنه قال: ما حَرم إلا هذا خلافًا لما حرمتم أنتم في الجاهلية، قال تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} [المائدة: ١٠٣] فقال: ما حرم إلا هذا إظهارًا لفضله عزّ وجل وأنه لم يحرم إلا أربعة أصناف فقط من الطيبات، وهذا الذي حرمه الله ليس بطيب.

قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} هذا بيان لقوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: ١] قوله: {الْمَيْتَةُ} "أل" هنا لبيان الحقيقة، يعني: كل ميتة فهي حرام، والميتة هي ما مات حتف أنفه أو ذكي على وجه غير شرعي، وقولنا: (ما مات حتف أنفه) يعني بدون فعل فاعل أو بفعل فاعل لكن لا على الوجه الشرعي، مثاله: إذا مرضت البهيمة وماتت نقول: هذه ماتت حتف أنفها، وإذا دق عنقها شخص فماتت نقول: هذه ذكاة غير شرعية.

لكن يستثنى من الميتة ميتة البحر فإنها ليست بحرام، لقول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: ٩٦] قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "صيده ما أخذ حيًّا، وطعامه ما أخذ ميتًا"، كما في قصة السرية الذين وجدوا العنبر وأقرهم النبي عليه الصلاة والسلام على أكلها (١)، وكذلك يستثنى الجراد كما في حديث عبد الله بن عمر: "أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما


(١) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة سيف البحر وهم يتلقون عير قريش، حديث رقم (٤١٠٣)، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة ميتات البحر، حديث رقم (١٩٣٥) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>