للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا} [المائدة: ٥٠] يشمل الحكم الكوني والحكم الشرعي، الحكم الكوني ذكرنا أنه لا بد من وقوعه، وأما الحكم الشرعي إذا حكم الله على أحدٍ بشيء شرعًا هل يلزم منه الوقوع؟

الجواب: لا؛ لأن من الناس من لم يحكم بما أنزل الله، ولم يمتثل أمر الله، فلا يلزم من الحكم الشرير أن يقع المحكوم به؛ لأنه شرع، والشرع قد يُخالَف وقد يوافق، أما الحكمة فإنها وضع الشيء في مواضعه، على حد قول بعض السلف: إن الله تعالى لم يأمر بشيء فيقول العقل: ليته لم يأمر به، ولم ينهَ عن شيء فيقول العقل: ليته لم ينهَ عنه، فهي وضع الأشياء في مواضعها، وأنت إذا تأملت أحكام الله تعالى الكونية وأحكامه الشرعية، وجدت أنها في موضعها.

فإن أدرك ذلك عقلك فهذا المطلوب، وإن لم يدركه فسلم الأمر لمن له الحكمة البالغة، ولذلك نجد الشرائع مطابقة للحكمة تمامًا، فالطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وبر الوالدين وصلة الأرحام، وما أشبه ذلك كلها مطابقة للحكمة.

ونجد أيضًا الأحكام الكونية مطابقة للحكمة قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: ٤١]، فالفساد الذي يكون في البر أو في البحر هو فساد لكنه لحكمة عظيمة، وهي: أن يرجع الناس إلى دينهم ويكفوا عما كسبت أيديهم من المعاصي، وهلمَّ جرَّا.

يعني أحكام الله الكونية والشرعية كلها مطابقة للحكمة،

<<  <  ج: ص:  >  >>