للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن لا يلزم من كونها مطابقة للحكمة أن يفهم الحكمة كل أحد من الناس، فقد تخفى على كثير من الناس، وقد تخفى على بعض الناس دون بعض، وما خفي عليك فَكِلْهُ إلى عالمه، ولذلك لما سألت المرأة عائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت عائشة رضي الله عنها: "كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة" (١).

إذًا: مجرد كون هذا الشيء محكومًا به من قِبل الله شرعًا فإننا نعلم أنه لحكمة، وأيضًا مجرد كون الشيء يقع في أحكام الله الكونية، وإن كانت لا تظهر لنا المصلحة فيه؛ فإننا نعلم أنه لحكمة، فعلينا أن نستسلم وأن لا نعارض، وأن لا نقول: كيف ولا لِمَ؟ لأن ذلك فيه اعتراض، اللهم إلا رجلًا يريد أن يسأل عن الحكمة، حتى يطمئن قلبه، وحتى يعرف من صفات الله ما لا يعرف، فهذا لا بأس به.

واعلم أن الحكمة نوعان: حكمة غاية، وحكمة وضع الشيء على ما هو عليه، ويمكن أن نقول: حكمة صورية وحكمة غائية، فالصورية: أن يكون الشيء على هذه الصورة، فكونه على هذه الصورة، هذه حكمة، كون الصلوات مثلًا خمسًا وفي أوقات مختلفة، هذه حكمة، كونها تنقطع على الوتر، هذه حكمة، صلاة الليل وصلاة النهار، فصلاة النهار وترها المغرب، وصلاة الليل وترها النافلة المعروفة، هذه حكمة، كون هذه الأمور مشروعة لغاية، أيضًا حكمة، وهكذا أيضًا المخلوقات هي على وضعها


(١) رواه مسلم، كتاب الحيض، باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة، حديث رقم (٣٣٥) عن عائشة.

<<  <  ج: ص:  >  >>