التي هي عليه حكمة، والغاية التي تصل إليها هذه المخلوقات لا شك أنها حكمة، فصار الحكيم مشتق من الحُكْم والإِحْكام الذي هو الحكمة، والحكم نوعان: كوني وشرعي، والحكمة نوعان: صورية وغائية.
الفائدة الثانية عشرة: حسن الختام في الآيات الكريمة، وأنها مطابقة تمامًا للأحكام التي خُتِمت بها، فالعزة من معناها الغلبة، ولا شك أن إيجاب قطع الأيدي يدل على العزة والغلبة وكمال السلطة، الحكمة أيضًا تُنَاسِب القطع لأن فيها حكمًا صارمًا، وفيها أيضًا حكمة بالغة.
فلذلك كانت الجملة:{وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} مطابقة تمامًا لما ذكر في الآية الكريمة من قطع يد السارق، وبيان الحكمة من ذلك، ورأيت في كتاب السيوطي الإتقان أن أعرابيًا سمع قارئًا يقرأ يقول:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} والله غفور رحيم فاستنكر الأعرابي هذا وقال: أَعِد الآية، فأعادها مرة ثانية باللفظ الأول:"والله غفور رحيم" ثم قال: أعدها، فأعادها مرتين أو ثلاثًا، ثم أعادها على الصواب، فقال:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} فقال: الآن أصبت؛ لأنه عز وحكم فقطع، ولو غفر ورحم ما قطع.
انظر، كيف الفهم، وهو أعرابي لم يتعلم؟ لكن واضح أن الله سبحانه وتعالى لو قال:"والله غفور رحيم" ما نالسب وجوب القطع، هذا يناسب التوبة، قال تعالى: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩)} [المائدة: ٣٩] أما القطع فإنه يناسب العزة والحكمة.