يعني: سماعون لك من أجل قوم آخرين، يُوصِلون ما تقوله إليهم، فإذا أوصلوه إلى هؤلاء القوم الآخرين حرّفوه وبدلوه وغيروه، ولهذا قال:{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} يعني أن القوم الآخرين وهم أحبار اليهود الذين ينقل إليهم العامة ما يسمعونه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهؤلاء يُحرفون الكلم من بعد مواضعه، والتحريف بمعنى التغيير، أي: يغيرونه عن وجهه، فيقولون: المراد كذا، والمراد كذا على خلاف ما أراد الله ورسوله.
وهل المراد أنهم يحرفون الكلم من التوراة أو أنهم يحرفون الكلم من التوراة وغيرها؟
الأَولى العموم، فهم يحرفون الكلم من التوراة، ويحرفون الكلم من القرآن.
قوله:{إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا} يعني ما نريد من الحكم فخذوه {وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا}، والإشارة بما يدل على البُعد ليس لرفع شانهم، ولكن لإبعادهم عن الثناء وأن يكونوا على حق.
قوله:{يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} الإيتاء والإعطاء إنما يكون في المحسوسات وفي المنقولات، لكنه قد يستعمل في المعاني كما في هذه الآية، وأصل هذه القصة نزلت في يهوديين زانيين. فالأحبار يُعَيِّنُونَ لهؤلاء القوم الذين ينقلون إليهم الأخبار شيئًا معينًا أي: حكمًا معين، فيقولون:{إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا} من محمد فخذوه، واقبلوه، {وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} يعني احذروا أن تقبلوه، فصار الآن هؤلاء الأحبار الذين يُنقل إليهم الكلام من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، يقولون لأتباعهم: اعرضوا هذا على محمد فإن أعطاكم إياه فخذوه وإلا فاحذروا.