للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ} أي: غير مائل لإثم ولا مريد له، لكن للضرورة أكل من هذه المحرمات.

وقوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ} يفسر قوله في الآيتين السابقتين: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} [البقرة: ١٧٣] فقوله: {غَيْرَ بَاغٍ} أي: غير مريد لهذه المحرمات بل ألجأته الضرورة لها، {وَلَا عَادٍ} أي: معتدٍ يريد الإثم، فمنهم من قال: غير باغ ولا عاد تفسره آية المائدة، وآية المائدة من آخر ما نزل، فيكون غير باغٍ لأكل الميتة ولا عادٍ بأن يأكل أكثر من ضرورته، وهذا تفسير مطابق للآيات الأخرى، وبعضهم قال: {غَيْرَ بَاغٍ} أي: الذين يخرجون على الإمام {وَلَا عَادٍ} أي: ولا عاصٍ في سفره، ولكن هذا المعنى بعيد جدًّا، ولهذا قالوا: من كان عاصيًا في سفره واضطر إلى أكل الميتة لا يأكلها وإن مات؛ لأنهم يشترطون أن يكون السفر مباحًا، والصحيح خلاف ذلك، والقرآن يفسر بعضه بعضًا، وأن قوله: {غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} تطابق تمامًا قوله تعالى: {فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ}.

واعلم أن المحرم للضرورة لا يحل إلا بشرطين:

الأول: ألا يوجد ما يدفع به الضرورة غير هذا المحرم.

الثاني: أن تزول ضرورته وإنما اشترطنا هذا لئلا يقول قائل: يجوز التداوي بالمحرم؛ لأنه غير ملجأ للتداوي بالمحرم لأنه قد يزول مرضه بدواء آخر، وقد يزول مرضه بدون دواء، وكم من إنسان وصل إلى أدنى حالة من المرض ثم يشفيه الله عزّ وجل دون أي سبب، والشرط الثاني: ألا تزول ضرورته إلا بهذا الدواء، فإنه قد يتداوى الإنسان ولا يشفى بخلاف من أكل محرمًا

<<  <  ج: ص:  >  >>