للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه مسألة خطيرة للغاية؛ لأن من الناس من يقدم على المكفير مع انتفاء شروطه، ويحصل بذلك شر كثير، تمرد على الحكام، وتضليل للعامة، وفوضى في المجتمع، ودماء تراق بغير حق. واسأل مَنْ سلفك مِنْ الأمة، ماذا حصل من الخوارج الذين كَفَروا معاوية -رضي الله عنه- ثم كفروا عليًّا رضي الله عنه وهم يقومون الليل ويتلون القرآن، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الصحابة وهم الصحابة، "يحقر أحدهم صلاته مع صلاتهم وقراءته مع قراءتهم" (١) ومع ذلك حصل من شرهم ما لا يعلمه إلا الله، ومن قرأ عنهم -وآخر الأمة كأولها- علم أن الخروج على الأئمة لا شك أنه مفسدة عظيمة، وأن بقاء الحكام على غير ما أنزل الله لا شك مضرة عظيمة، لكن الواجب أن يُدرأ أشد المفسدتين بأخفهما، فإذا جرت الدماء يصعب جدًّا إيقافها وأن تحقن بعد أن أريقت، لكنَّ إصلاح الحكام ربما يتحقق مع المران والمجالسة والمناصحة.

فلهذا أقول: إن المسألة خطيرة، وإن الواجب على الإنسان أن يدرس ما قاله أهل العلم في هذه المسألة دراسة خالية من العاطفة، كلنا نحب أن تكون كلمة الله هي العليا والله تعالى يعلم ذلك، وكلنا يحب أن يكف الشر عن الأمة، لكننا نعلم جيدًا خطورة الوضع فيما إذا قيل: إن هذا الحاكم كافر وليس عندنا فيه من الله برهان.

فإذا وجدنا كفرًا بواحًا صريحًا واضحًا عندنا فيه من الله


(١) رواه البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (٣٤١٤)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، حديث رقم (١٠٦٤) عن أبي سعيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>