الثاني محذوف لدلالة السياق عليه، وإذا أردت أن تسأل عن ضالة ضاعت منك تقول: أسألك عن ضالتي، وتقول: سألني فلان عن المسألة الفلانية، فيتعدى كما تقدم إلى المفعول الثاني بـ "عن".
فإن قال قائل: ما الجواب عن قوله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (١)} [المعارج: ١]؟
الجواب: عن ذلك مختلف فيه بين العلماء:
فمن قال: إن الفعل إذا تعدى إلى مفعوله بحرف جرت العادة أنه يتعدى به، فالأمر واضح، وإن تعدى الفعل إلى مفعوله بحرف لم تجرِ العادة أنه يتعدى به فهنا اختلف النحويون: هل يُفَسَّر الحرف بما يناسب الفعل، أو يفسر الفعل بما يناسب الحرف، أي يُضمن معنى يناسب الحرف، قال الله تعالى:{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ}[الإنسان: ٦] يشرب بها عباد الله، والذي يناسب (يشرب)"منها"، كما قال تعالى:{فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ}[البقرة: ٢٤٩] لكن جاءت الآية يشرب بها.
فعلى القول بأن الحرف يكون بمعنى الحرف المنالسب للفعل نقول: الباء في قوله: {يَشْرَبُ بِهَا} بمعنى "من".
وعلى القول الثاني: نلتمس معنى يناسب الباء، والفعل الذي يناسب الباء هو "يروى"، فنضمن الفعل يشرب معنى يروى، وحينئذٍ يكون التقدير عينًا يروى بها عباد الله، والثاني أبلغ؛ لأن الري يستلزم الشرب ولا عكس، وحينئذٍ يكون التجوز بالفعل أقوى؛ لأنه يتضمن الفعل الذي يتعدى إلى هذا الحرف وزيادة، وهذا مذهب نحاة البصرة وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام رحمه الله في مقدمة التفسير.