لم يكن لدينا قوة فإن الله لم يوجب القتال على المسلمين في مكة لعدم القوة، ومن المعلوم أنَّه من التهور الذي لا يأمر به الشرع ولا يقتضيه عقل، أن يقاتل الإنسان الجحافل المسلحة بالأسلحة المتطورة وليس معه إلَّا سكاكين المطبخ، هذا ليس من الحكمة، ولا يمكن أن تقتضيه الشريعة وأن تأمر به، ولا يقتضيه العقل؛ انتظر حتَّى يكون لديك قوة ثم حينئذٍ قاتل.
فإن قال قائل: أليس أَبو بكر رضي الله عنه أرسل جيش أسامة مع حاجته إليهم في قتال أهل الردة؟
الجواب: بلى، لكن يجاب عن هذا بأمرين:
الأمر الأول: أن جيش أسامة عقد رايته محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا قال أَبو بكر رضي الله عنه: والله لا أحل راية عقدها الرسول عليه الصلاة والسلام.
والثاني: أن في ذلك إظهارًا لعزة المسلمين وقوتهم، ولهذا لما رأى العرب المرتدون أن أهل المدينة صاروا يبعثون الجيوش إلى الشام؛ قالوا: هؤلاء عندهم قوة وقدرة فتراجع بعضهم، فصار في التأسي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بركة عظيمة تغني عن القتال أشهرًا، وهذا مما يدلنا على أن التمسك بالإسلام له بركات عظيمة، قد لا يشعر بها الإنسان إلَّا بعد مدة.
الفائدة الرابعة: بيان قدرة الله تعالى وأنه سبحانه وتعالى إذا أذهب أقوامًا أتى بآخرين خيرٍ منهم.
الفائدة الخامسة: إثبات أفعال الله الاختيارية، يعني: التي يفعلها باختياره، لقوله:{فَسُوْفَ يَأْتِى} وسوف: للمستقبل، وإنَّما ذكرت ذلك؛ لأن كثيرًا من المتكلمين من الأشاعرة وغيرهم