فكأنه قال: أنتم لا تعيبون علينا شيئًا، هو عيب بل تعيبون علينا شيئًا هو كمال وهو الإيمان بالله وبما أنزل إلينا، ومثل هذا الأسلوب يسميه علماء البلاغة: تأكيد المدح بما يشبه الذم، وله صورتان:
الصورة الأولى: نفي وإثبات، تنفى صفة الذم ويؤتى بعدها بصفة مدح مثبتة، أولًا: تنفى صفة العيب، ثم يؤتى بعدها بصفة كمال فهذا يسمى تأكيد المدح بما يشبه الذم، قال الشاعر:
ولا عيب فيهم غير أن نزيلهم ... يعاب بنسيان الأحبة والوطن
لا عيب فيهم غير أن نزيلهم الذي ينزل عليهم، يعاب بنسيان الأحبة والوطن، فإذا نزل عليهم ضيف فإنَّه ينسى كل شيء لإكرامهم الضيف واحتفائهم به، يعني: أن فيهم تسلية عن الأحبة والوطن هذا مدح، لكن أول ما تسمع "ولا عيب فيهم غير أن"، تترقب الذم، وكذلك قول الشاعر:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
الأول: يمدحهم بالكرم، والثاني: يمدحهم بالشجاعة، فيقول: لا عيب فيهم غير أن سيوفهم، يعني: ليس فيهم أي جبن، وليس فيهم عيب إلا أن سيوفهم قد تثلمت من قرع الكتائب لشجاعتهم، هذا نوع وصورة من صور تأكيد المدح بما يشبه الذم.
الصورة الثانية: أن يؤتى بصفة مدح، ويستثنى بعدها صفة ذم، بأداة استثناء تقول: هذا الرجل عالم إلا أنه شجاع، هذا مدح عالم، إلا أنه ماذا يتوقع؟ صفة ذم، فهذا به يقال: إلا أنه شجاع، تقول: فلان طالب علم غير أنه مجتهد، هذا أيضًا من تأكيد المدح بما يشبه الذم، ومثاله أيضًا: الآية التي معنا.