الكتاب والسنة والعقل، وأما من قال: إنه لا تأثير لها؛ فقد قال قولًا يضحك منه السفهاء، ومن قال: إنها مؤثرة بطبيعتها؛ فقد قال: قولًا منكرًا.
أما الأول: الذي يقول: إنها لا تؤثر؛ فهذا قال قولًا يضحك منه السفهاء، فيكون إذا أكل الإنسان وهو جائع ثم شبع؛ فليس سبب شبعه الأكل، لكن حصل الشبع عند الأكل وإلا فإن الأكل لم يشبعه، وإذا وضعت ورقة في النار واحترقت فالنار لم تحرقها، إنما احترقت عند النار -سبحان الله-! ولو ضربت زجاجة بحجر وانكسرت فالحجر لم يكسرها، انكسرت عنده لا به، هذا شيء أدنى صبي يعرف أنه غلط، والذين قالوا: إنها مؤثرة بطبيعتها أيضًا أشركوا بالله، أثبتوا خالقًا مع الله، وهؤلاء نرد عليهم بأن الله تعالى خالق كل شيء، وبأن الله تعالى قد يغير حقائق هذه الأشياء، ومن ذلك أن الله سبحانه وتعالى قال للنار التي أضرمت وكانت سعيرًا عظيمًا ليلقى فيها إبراهيم وألقي فيها، قال الله لها:{كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}[الأنبياء: ٦٩] فكانت بردًا وسلامًا على إبراهيم، فهذا يدل على أن الأسباب لا تؤثر بذاتها إنما تؤثر بما أودع الله فيها من القوى، وإلا فقد يوجد موانع، بل حتى الأسباب الشرعية قد يوجد لها موانع، فمثلًا سبب الإرث: القرابة، وإذا كان قريبًا مخالفًا لقريبه في الدين لم يرث منه.
فالمهم أن نقول: من أثبت أن الأسباب تؤثر بذاتها فهو مشرك، ومن نفى تأثيرها مطلقًا فهو سفيه، بقي أن نقول: تؤثر بما أودع الله فيها من القوى المؤثرة التي قد تتخلف بإرادة الله ومشيئته.