قوله:{مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} قسمهم الله تعالى إلى قسمين، وأمة هنا بمعنى: طائفة، وأمة في اللغة العربية لها معان متعددة جاءت في القرآن، فتكون بمعنى طائفة كما في هذه الآية، وتكون بمعنى: الدين، مثل قوله تعالى:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}[المؤمنون: ٥٢] وتكون بمعنى: الزمن كما في قوله: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ}[يوسف: ٤٥] وتكون بمعنى: الإِمام، كما في قوله تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}[النحل: ١٢٠] ومن مجيئها بمعنى الدين قوله تعالى عن المشركين: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ}[الزخرف: ٢٢] أي: على ملة وهذا أوضح من تمثيلنا بقوله: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} لأنه المعنى يحتمل أن الأمة الجماعة من الناس.
وعلى كل حال الأمة في القرآن جاءت على أربعة معاني: الأول: الطائفة، الثاني: الدين، الثالث: الزمن، الرابع: الإمامة.
قوله:{مِنْهُمْ أُمَّةٌ} أي: طائفة، {مُقْتَصِدَةٌ} أي: قائمة بالواجب لا تزيد ولا تنقص.
قوله:{وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} أي: كثير منهم أمة سيئة غير مقتصدة، بل هي مُفرِّطة ومُفْرِطة، ولهذا وصف العمل المشار إليه بقوله:{سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} فقوله: {سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} يُبَيِّن أن المعنى وكثير منهم غير مقتصد بل مسيءٌ في عمله فساء ما كانوا يعملون، وعليه فيكون قوله:{سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} ليس خبر "كثير"، بل خبرها محذوف، أي: كثير منهم سيء العمل لم يقتصد فساء ما يعملون.