لأن الذي يحكم بغير ما أنزل الله قد يكون ظالمًا، يعني يريد أن يضر المحكوم عليه، لا يريد إلا هذا، هذه معصية من المعاصي كما لو أخذ ماله بدون حكم، أو يريد مصلحة لنفسه، هو لا يريد أن يأخذ من المحكوم عليه شيئًا لكن يريد مصلحة لنفسه، فيحكم بغير ما أنزل الله، هذا أيضًا لا يكفر بلا شك، هذا يكون فاسقًا، وتارة يحكم بغير ما أنزل الله غير راض بحكم الله، فهذا يكفر؛ لأنه أنكر الشريعة، وتارة يحكم بغير ما أنزل الله متأولًا، إما بنفسه وإما بما يزين له.
ولنضرب لهذا مثلًا: بعض العلماء من المسلمين يقولون: مسائل الحياة جعل الشرع مطلقة، ينظر الإنسان ما هو أصلح للناس ويفعله، ثم يستدلون بأشياء هي شبهات ليست بحجج، فيقولون: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة ووجدهم يلقحون النخيل، فقال لهم:"ما هذا؟ " كأنه يقول: اتركوه لا تلقحوه، فتركوه ففسد الثمر، فجاءوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقالوا له: يا رسول الله، هذا الثمر فسد، قال:"أنتم أعلم بأمر دنياكم"(١) أخذ بعض الناس من قوله: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" أي: الذي يرونه من المصلحة يفعلونه، حتى الربا الذي يسمونه الربا الاستثماري يقولون: إنه جائز؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال:"أنتم أعلم"، وما دام أن البنك مثلًا يعطي هذا الفقير أموالًا عظيمة ينشئ بها المصانع أو يحرث بها الأراضي، أو يتجر بها، فهو منتفع والفقير منتفع،
(١) رواه مسلم، كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعًا دون ما ذكره - صلى الله عليه وسلم - من معايش الدنيا على سبيل الرأي، حديث رقم (٢٣٦٣) عن أنس.