للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن يقدر جملة مناسبة للسياق، فإذا قلنا: الهمزة للاستفهام ومحلها بعد الفاء، والفاء مزحلقة عن مكانها سهل الأمر.

قوله: {يَتُوبُونَ} أي: يرجعون؛ لأن تاب وثاب وأناب وما أشبهها، كلها معانيها متقاربة، فيتوبون إلى الله، أي: يرجعون إلى الله من معصيته إلى طاعته، من الشرك إلى التوحيد، من التعطيل إلى الإثبات، وهلمَّ جرَّا.

قوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَهُ}: يسألونه المغفرة، فما هي المغفرة؟ أحسن ما قيل فيها: أنها ستر الذنب والتجاوز عنه؛ لأنها مشتقة من المغفر، وهو الذي يوضع على الرأس لاتقاء السهام عند القتال، والمغفر فيه ستر ووقاية، ولا ينبغي أن نقول: إن المغفرة ستر الذنب فقط، بل نقول: هي ستر مع عفو ووقاية من العذاب، ويؤيد هذا الاشتقاق أنه مشتق من المغفر، وربما يؤيده ما ثبت في الحديث الصحيح: "أن الله عزّ وجل يخلو بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه، فإذا أقر بها قال الله له: إني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم" (١).

وقوله: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} الجملة معطوفة على ما سبق، لكنها تفيد أنه عزّ وجل أهلٌ لأن يستغفر، وأنه إذا استغفر غفر؛ لأنه غفور رحيم، ودائمًا يقرن الله تعالى بين هذين الاسمين الكريمين؛ لأن الأول يزول به المرهوب وتغفر به الذنوب، وبالثاني يحصل المطلوب؛ لأن الرحمة جلب الخير والإحسان.


(١) رواه البخاري، كتاب المظالم، باب قول الله تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: ١٨] حديث رقم (٢٣٠٩)، ومسلم، كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله، حديث رقم (٢٧٦٨) عن ابن عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>