للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل يلزم أن يكون الآمر فاعلًا لما يأمر به أو الناهي تاركًا لما ينهى عنه، والصواب: أن هذا ليس بشرط؛ لأننا لو قلنا لمن يفعل المنكر: لا تنهَ عنه، لزم من ذلك أن نأمره بمنكرين، ترك الإنكار وفعل المنكر الذي هو يمارس، فنحن نقول: مُر بالمعروف وانهَ عن المنكر، وإن كنت تفعل ما تنهى عنه، أو تترك ما تأمر به، وربما يكون أمره ونهيه سببًا لالتزامه واستقامته؛ حيث إنه يوبخ نفسه ويقول: سبحان الله! أنهى الناس عن المنكر وأفعله، فيستقيم، وأما قول الشاعر:

لا تنهَ عن خلق وتأتي مثله ... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

فمراده أن تجمع بين الأمرين لا تنهَ وتأتي مثله، فالإنسان الذي يفعل المنكر ويرى المنكر، يجب عليه شيئان: الأول: ترك المنكر، والثاني: النهي عنه، فإذا تعذر الأمر الأول لا نقول: يتعذر الثاني، فالصواب: أنه يجب على الإنسان أن يأمر بالمعروف وإن كان لا يفعله، وأن ينهى عن المنكر وإن كان يفعله، لكن هذا سيكون يوم القيامة أشد عذابًا؛ لأن حاله كحال المستهزئ بالله عزّ وجل وأحكام الشريعة، كيف تأمر بشيء لا تفعله، كيف تنهى عن شيء وأنت تفعله، ما هذا إلا نوع من الاستهزاء والسخرية، ولذلك كان أشد عذابًا، حيث أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: "أنه يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار حتى تندلق أقتاب بطنه -والأقتاب: هي الأمعاء- فيدور عليها كما يدور الحمار على رحاه، فيجتمع عليه أهل النار، فيقولون: يا فلان! ما لك؟ ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر، فيقول: بلى، ولكني آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم

<<  <  ج: ص:  >  >>