وقوله:{النصارى} أي: الأنصار، هذا أحسن ما يقال في تفسيرها؛ لأنه يؤيده قوله في سورة الصف:{مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ}[الصف: ١٤].
ثم علل الله عزّ وجل ذلك بعلل، فقال:"ذَلِكَ" المشار إليه كون النصارى أقرب الناس مودة للذين آمنوا، {بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤)} هذه خمسة أسباب:
السبب الأول:"ذلك" أي: سبب كون هؤلاء أقرب مودة للذين آمنوا، بأن منهم قسيسين ورهبانا والقسيس هو العالم الكبير، والعالم عنده معرفة يعرف الحق ويعمل به، لا سيما أن التوراة والإنجيل فيهما وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصفًا مطابقًا تمامًا، قال الله تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ}[الأعراف: ١٥٧]. وقال تعالى:{يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}[البقرة: ١٤٦]. وقال تعالى أيضًا:{يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}[الأعراف: ١٥٧]، كل هذه الصفات موجودة في التوراة والإنجيل، فهم عندهم علم أعني القسيسين.
وأيضًا سبب كونهم أقرب مودة للذين آمنوا بأن منهم رهبانًا، والرهبان العباد؛ لأن النصارى فرضوا على أنفسهم