للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كان تغيير الحكم ونسخه له حِكم لم يلزم على الله البداء؛ لأنه سبحانه يشرع لعباده من الأحكام ما تقوم به مصالح دينهم ودنياهم، أرأيت لو كلفت ولدك بعمل، ثم رأيت هذا العمل شاقًّا عليه، فهل من المصلحة أن تبقيه في هذا العمل الشاق، أو تنقله إلى عمل آخر؟ تنقله إلى عمل آخر، هذا مقتضى العقل، فحينئذٍ يبطل ما ادعاه اليهود من أنه يلزم منه البداء على الله، أي: الظهور بعد الخفاء.

إذًا: فالنسخ جائز عقلًا وواقع شرعًا، ثم إن النسخ يكون على ثلاثة أقسام:

نسخ الحكم مع بقاء اللفظ، ونسخ اللفظ مع بقاء الحكم، ونسخهما جميعًا.

القسم الأول: نسخ الحكم مع بقاء اللفظ، وهذا كثير مثل قول الله تبارك وتعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٩]، هذا نسخ للقبلة الأولى، فاللفظ باقٍ؛ لأن الله قال: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤]، ومثل قول الله تبارك وتعالى في الصوم: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ الله لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} إلى قوله: {عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} [البقرة: ١٨٧]، ومثل قوله في الآية في مصابرة العدو، أن الله تعالى أوجب أن يصابر المسلمون عشرة أمثالهم، ثم نسخ الحكم مع بقاء اللفظ.

وهنا يرد سؤال: ما الفائدة من نسخ الحكم مع بقاء اللفظ، لماذا لم ينسخ اللفظ؛ لأن العمل باللفظ انتهى؟

<<  <  ج: ص:  >  >>