للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبناءً على هذا التوجيه، يكون الخلاف بينه وبين جمهور الأمة خلافًا لفظيًّا لا فائدة منه، ما دمنا متفقين على أنه يمكن أن يكون هذا الحكم العام في كل زمن وفي كل مكان، وفي كل أمة وفي كل حال، يجوز أن يلغى في وقت من الأوقات، فهذا هو النسخ، سمه تخصيصًا أو سمه نسخًا.

ثم يقال له رحمه الله: ما الفائدة من أن نتحاشى كلمة نسخ، والله تعالى في القرآن يقول: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: ١٠٦]، نرجع إلى جواز النسخ عقلًا، أما وقوعه شرعًا فلا شك فيه، كيف يجوز عقلًا، ألا يجوز أن يرد ما أورده اليهود، بأن الله بدا له بعد أن كان خفيًّا عنه، أن الحكم المنسوخ ولا يستقيم؟

الجواب: لا، الأحكام تثبت بحسب أحوال الأمم، فقد يكون الوجوب مثلًا مصلحة للأمة في وقت غير مصلحة في وقت آخر، فأحكام الله تعالى يراد بها مصالح العباد وهي تختلف في كل زمان أو مكان أو حال، فلذلك كان مقتضى الحكمة نسخ الأحكام.

وقد يكون النسخ لابتلاء المكلف، يبتلي الله عزّ وجل المكلف هل يمتثل، أو لا يمتثل، ثم يأتي النسخ؛ لأن بعض الناس قد لا يقبل النسخ، كالذين ارتدوا حينما حولت القبلة؛ لأنهم قالوا: كيف أمس نتجه إلى بيت المقدس والآن نتجه إلى الكعبة، لا يمكن، ولهذا قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: ١٤٣]، ويكفي هذه الحكمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>