يمكن نسخ الشرائع؛ لأننا لو جوزنا النسخ لجوزنا البداء على الله، أي: أنه تبدو له المصلحة بعد أن كانت خفية عليه، فيحكم يشيء ثم بعد ذلك يعدل عنه؛ لأنه لم يدرِ عن عواقب ما حكم به أولًا، ومعلوم أنه لا يجوز للإنسان أن يصف ربه عزّ وجل بالجهل، ثم البداء، ولكن الله عزّ وجل رد عليهم فقال:{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ}[آل عمران: ٩٣]، فبيَّن أن نسخه واقع وهو كذلك.
ومن أجل إنكارهم النسخ أنكروا نبوة عيسى ونبوة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا: إن شريعتهما نسخت شريعة التوراة، وهذا لا يجوز، فالمسلمون مجمعون على جواز النسخ، عقلًا ووقوعه شرعًا، إلا أن أبا مسلم الأصفهاني رحمه الله قال: لا نسخ في القرآن، وحمل النسخ الدي ثبت في القرآن حمله على التخصيص.
مثال ذلك: أوجب الله على المسلمين في الجهاد أن الواحد يصابر عشرة، ثم نسخ ذلك، وقال:{الْآنَ خَفَّفَ الله عَنْكُمْ}[الأنفال: ٦٦]، وهذا واضح أنه نسخ، وكذلك في الحديث:"كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها"(١)، هذا أيضًا نسخ واضح، ثبت بنص القرآن ونص السنة، ادعى رحمه الله أن هذا تخصيص وليس بنسخ، ووجَّه قوله: بأن الحكم المنسوخ كان عامًّا في جميع الأزمان وفي جميع الأحوال، ثم نسخ فخرج بالنسخ الزمن الذي تبقى، وقال: هذا تخصيص.
(١) رواه مسلم، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه عزّ وجل في زيارة قبر أمه، حديث رقم (٩٧٧) عن بريدة.